وأمّا قوله عزوجل : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) فإنما ظنّ يعني استيقن أنّ الله لن يضيّق عليه رزقه! ولو ظنّ أنّ الله لا يقدر عليه لكان قد كفر!
وأمّا قوله عزوجل في يوسف : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا) فإنها همّت بالمعصية ، ويوسف همّ بها إن أجبرته (بالمعصية) أن يقتلها ، لعظم ما تداخله! فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله عزوجل : (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ) يعني القتل والزنا.
وأما داود ، فما يقول فيه مَن قبلكم؟ فقصّ ابن الجهم قصّة قطع داود صلاته ليأخذ الطير الجميل ، وأنّه رأى امرأة قائده أوريا في دارها تغتسل فهواها ، فقدّم اوريا في القتال فقُتل فتزوّجها داود!
فالرضا عليهالسلام لمّا سمع ذلك ضرب بيده على جبهته واسترجع وقال له : لقد نسبتم نبيّاً من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته ثمّ القتل ثمّ الفاحشة! فقال ابن الجهم : يابن رسول الله فما كانت خطيئته؟ فقال : إنّما ظن داود أن الله ما خلق خلقاً أعلم منه! فبعث الله إليه الملكين تسوّرا عليه المحراب وقالا له : (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ* إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) فعجّل داود على المدّعى عليه فقال : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) ولم يسأل مِن المدّعى البيّنة على ذلك ، ولم يُقبل على المدّعى عليه ليراه ما يقول. فكانت هذه خطيئة في رسم الحكم ، ألا تسمع الله عزوجل يقول : (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعْ الْهَوَى (١)).
__________________
(١) ص : ٢٢ ـ ٢٦.