ألزمه حجته حتّى كأنّه القُم حجراً! وكأنّ أبا الصلت لم يحضر المجالس السابقة فلم يروِها ، وإنّما حضر أخيراً مناظرة علي بن محمّد بن الجهم الشيباني مع الرضا عليهالسلام في عصمة الأنبياء فرواها قال :
قام إليه ابن الجهم فقال له : يابن رسول الله ، أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال : نعم.
قال : فما تعمل بقول الله عزوجل : (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١)) وفي قوله عزوجل : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ (٢)) وفي قوله عزوجل في يوسف عليهالسلام : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا (٣)) وفي قوله عزوجل في داود : (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ (٤)) وقوله تعالى في نبيّه محمّد : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ (٥))؟!
فقال له الرضا عليهالسلام : ويحك ـ يا علي ـ اتق الله ولا تنسب الفواحش إلى أنبياء الله ، ولا تتأوّل كتاب الله برأيك!
أما قوله عزوجل في آدم : (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) أما المعصية من آدم فقد كانت في الجنة ، وعصمته (إنّما) تجب أن تكون في الأرض ، لتتمّ مقادير أمر الله ، فلمّا أهبطه إلى الأرض وجعله حجته وخليفته عُصم (وذلك) بقوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٦)(٧)).
__________________
(١) طه : ١٢١.
(٢) الأنبياء : ٨٧.
(٣) يوسف : ٢٤.
(٤) سورة ص : ٢٤.
(٥) الأحزاب : ٣٧.
(٦) آل عمران : ٣٣.
(٧) كذا هنا ، وفيه كلام لدى أهل الكلام ، فهم يقولون بالعصمة التامة ، ولكن العصمة إنّما هي في التكاليف ، والجنة لم تكن دار تكاليف : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) ، البقرة : ٣٨.