فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ (١)).
فقال الرضا عليهالسلام : لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها كما همّت به ، لكنه كان معصوماً والمعصوم لا يأتي بالذنب ولا يهتم به. ولقد حدّثني أبي عن أبيه الصادق عليهالسلام قال : همّت بأن تفعل وهمّ بأن لا يفعل!
فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن ؛ فأخبرني عن قول الله عزوجل : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ (٢)).
فقال الرضا عليهالسلام : ذاك يونس بن متّى عليهالسلام ذهب مغاضباً لقومه ، فظن ـ أي استيقن ـ أن لن نقدر أي لن نضيّق عليه رزقه! فنادى في الظلمات ، أي : ظلمة بطن الحوت والبحر والليل : (أَنْ لَاإِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) بتركي مثل هذه العبادة التي فرّغتني لها هنا في بطن الحوت! فاستجاب الله له ...
فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله عزوجل : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا (٣)).
فقال الرضا عليهالسلام : يقول الله عزوجل : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ) من قومهم ، وظنّ قومهم أنّ الرسل قد كُذبوا جاء نصرنا للرسل.
فقال المأمون : لله درك يا أبا الحسن! فأخبرني عن قول الله عزوجل : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (٤)).
فقال الرضا عليهالسلام : إنّ مشركي أهل مكة كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمئة
__________________
(١) يوسف : ٢٤.
(٢) الأنبياء : ٨٧.
(٣) يوسف : ١١٠.
(٤) الفتح : ٢.