ومن غيرهم. ثمّ هو أجل من أن يدركه بصر أو يحيط به وهم أو يضبطه عقل! قال : فحدّه لي. قال : لا حدّ له. قال : ولمَ؟ قال : لأنّ كل محدود متناه إلى حد ، وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة ، وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان ، وهو غير محدود ولا متزايد ولا متناقص ولا متجزّئ ولا متوهّم.
قال الرجل : فأخبرني عن قولكم : إنّه سميع حكيم وبصير عليم ، أيكون السمع إلّا بأُذن؟ والبصر إلّابالعين؟ واللطف إلّابالعمل باليدين؟ والحكمة إلّابالصنعة؟
فقال أبو الحسن : إنّ اللطيف فينا حدّ لاتخاذ الصنعة ، أو ما رأيت الرجل يتخذ شيئاً يلطف في اتخاذه فيقال : ما ألطف فلاناً! فكيف لا يقال للخالق الجليل :
لطيف؟ إذ خلق خلقاً لطيفاً وجليلاً ، وركّب في الحيوان منه روحه ، وخلق كل جنس متبايناً في جنسه في الصورة لا يشبه بعضه بعضاً ، فكل به لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته.
ثمّ نظرنا إلى الأشجار وأطايب حملها المأكول فقلنا عند ذلك : إنّ خالقنا لطيف لا كلُطف خلقه في صنعتهم. وقلنا : إنّه سميع لا تخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى من الذرة إلى أكبر منها في البر والبحر ، ولا تشتبه عليه لغاتها! فعند ذلك قلنا : إنّه سميع لا باذن.
وقلنا : إنّه بصير لا ببصر ، لأنه يرى أثر الذرة السحماء (السوداء) في الليلة الظلماء على الصخرة الصمّاء ، ويرى دبيب النملة في الليل الدجنة ، ويرى منافعها ومضارها ، وأثر سفادها وفراخها ونسلها ، فعند ذلك قلنا : إنّه بصير لا كبصر خلقه.
وقال له أبو الحسن : أرأيت إن كان القول قولكم ـ وليس كما تقولون ـ ألسنا وإياكم شرعاً سواء ولايضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا؟! وإن يكن القول قولنا ـ وهو قولنا كما نقول ـ ألستم قد هلكتم ونجونا؟! فما برح هذا الزنديق حتّى أسلم (١).
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٣١ ـ ١٣٣ ، الحديث ٢٨.