فلمّا قتل المأمون هؤلاء المخالفين ، علم ذو الرياستين أنّ المأمون قد عزم على الخروج .. فرجع ذو الرياستين إلى أبيه سهل وقعد في منزله. فبعث إليه المأمون فأتاه فقال له : ما لك قعدت في بيتك؟ فقال له :
يا أمير المؤمنين ؛ إنّ الناس يلومونني بقتل أخيك المخلوع وبيعة الرضا (١) ، فذنبي عظيم عند أهل بيتك وعند عامة الناس! ولا آمن السُعاة والحسّاد وأهل البغي أن يسعوا بي عندك. فدعني أخلفك في خراسان!
فقال له المأمون : لا نستغني عنك! فأما ما قلت إنّه يُسعى بك وتُبغى لك الغوائل ؛ فلست أنت عندنا إلّاالثقة المأمون الناصح المشفق ، فاكتب لنفسك ما تثق به من الضمان والأمان ، ووكّد لنفسك ما تكون به مطمئناً!
فذهب الفضل وكتب لنفسه كتاباً ، وأتى به إلى المأمون وجمع له العلماء وقرأه عليهم ، فكتب المأمون بخطه فيه وأعطاه كل ما أحبّ. وكتب له بخطه (كتاب الحبوة) وبسط له من الدنيا أمله.
فقال ذو الرياستين : يا أمير المؤمنين ، نحب أن يكون خط أبي الحسن في هذا الأمان يعطينا ما أعطيت فإنه وليّ عهدك!
فقال المأمون : قد علمت أنّ أبا الحسن قد شرط علينا أن لا يعمل شيئاً ولا يحدث حدثاً ، فلا نسأله ما يكرهه ، فسله أنت ، فإنه لا يأبى عليك في هذا.
فجاء واستأذن على أبي الحسن عليهالسلام وبيده الكتاب في أكبر جلد! قال ياسر : فقال لنا الرضا عليهالسلام : قوموا وتنحّوا فتنحّينا. فدخل ووقف بين يديه ساعة ،
__________________
(١) قول الفضل هذا وتقرير المأمون له بسكوته بلا تعليق ، مؤكد لما مرّ مثله. وكأنه بتذكيره بالقوّاد المخالفين المعارضين أشار إلى أنّ المأمون لعلّه ادّخرهم ليوم مّا فلم يتخلّص منهم! فتخلص منهم المأمون ليستدرج الفضل!