وسألتنا أن نبلغك الخصلة التي لم تزل أنت تائقاً إليها من الزهد والتخلّي! ليصحّ عند من شك في سعيك للآخرة تركك الدنيا! وما عن مثلك يستغنى في حال ، ولا يرد مثلك عن طلبة ، ولو أخرجتنا طلبتُك عن شطر النعيم علينا! فكيف بأمر رفعت فيه المؤونة وأوجبت به الحجة على من كان يزعم أنّ دعاءك إلينا للدنيا لا للآخرة! وقد أجبناك إلى ما سألت ، وجعلنا ذلك مؤكداً لك بعهد الله وميثاقه الذي لا تبديل له ولا تغيير ، وفوّضنا الأمر في وقت ذلك إليك! فما أقمت فعزيز مُزاح العلة ، مدفوع عنك الدخول في ما تكرهه من الأعمال كائناً ما كان! نمنعك مما نمنع منه أنفسنا في كل الحالات! وإذا أردت التخلي فمكرّم مُراح البدن ، وحق لبدنك بالراحة والكرامة. ثمّ نعطيك ما تتناوله ممّا بذلناه لك في هذا الكتاب فتركته اليوم.
وجعلنا للحسن بن سهل مثل ما جعلناه لك ، فنصف ما بذلناه لك من العطية وأصل ذلك هو لك ، وبما بذل من نفسه في جهاد العُتاة ، وفتح العراق مرتين! وتفريق جموع الشيطان بيده ، حتّى قوى الدين وخاض نيران الحروب ، ووقانا عذاب السموم بنفسه وأهل بيته ، ومن ساس من أولياء الحق. وأشهدنا الله وملائكته وخيار خلقه وكل من أعطانا بيعته وصفقة يمينه في هذا اليوم وبعده على ما في هذا الكتاب ، وجعلنا الله علينا كفيلاً ، وأوجبنا على أنفسنا الوفاء بما اشترطنا ، من غير استثناء بشيء ينقضه في سر ولا علانية و «المؤمنون عند شروطهم» والعهد فرض مسؤول ، وأولى الناس بالوفاء من طلب من الناس الوفاء وكان موضعاً للقدرة ؛ قال الله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (١)).
__________________
(١) النحل : ٩١.