وأنّ طاهر بن الحسين (الخزاعي مولاهم) كان قد افتتح ما افتتح وأبلى في طاعته ما أبلى وقاد إليه الخلافة مزمومة ، حتّى إذا وطّأ الأمر أُخرج من ذلك كلّه : حُضرت عليه الأموال حتّى ضعف أمره فشغب عليه جنده ، فصُيّر إلى زاوية من الأرض بالرّقة ، وتنوسي منذ قتل محمّد الأمين لا يستعان به في شيء من هذه الحروب ، وقد استعين بمن هو دونه أضعافاً ، وأنّه لو كان على خلافة المأمون ببغداد لضبط الملك ولم يُجترأ عليه بمثل ما اجتُرئ على الحسن بن سهل فتفتّقت عليه الدنيا من أقطارها! وأنّ هرثمة بن أعين القائد إنّما جاءه لينصحه وليبيّن له ما يعمل عليه وأنّه إن لم يتدارك أمره خرجت الخلافة منه ومن أهل بيته ، فموّه الفضل بن سهل على المأمون في أمر هرثمة ثمّ دسّ إليه من قتله.
وكان (الرضا) يعلم بمعرفة يحيى بن معاذ ، وعبد العزيز بن عمران البصري وموسى البصري ، وخلف المصري ، وابن أُخت الفضل بن سهل : علي بن أبي سعيد وهم من وجوه عسكر المأمون عنده! فلمّا سأله المأمون : مَن يعلم هذا من أهل عسكري؟ سمّاهم له! فطلب منه أن يجمعهم فيدخلهم عليه ليسألهم عما ذكره له!
فأرسل إليهم (الرضا) وأخبرهم وأدخلهم عليه ، فسألهم عما أخبره ، فأبوا أن يخبروه حتّى يجعل لهم الأمان من الفضل بن سهل أن لا يعرض لهم! فكتب لكل رجل منهم كتاباً بخطه وضمن ذلك لهم ودفعه إليهم! فأخبروه بغضب أهل بيته ومواليه وقواده عليه في أشياء كثيرة ، وبيّنوا له ما فيه الناس من الفتن ، وأنّ الفضل موّه عليه في كل ذلك. وقالوا له : إنّه إذا خرج إلى بغداد في بني هاشم والموالي والقوّاد والجند ورأوا عزته بخعوا له بالطاعة وسكنوا إليه.
وعلم الفضل بن سهل ببعض أمرهم ، فحبس بعضهم وضرب آخرين منهم سياطاً وحتّى نتف لحى بعضهم!
فعاود (الرضا) المأمون لهم وذكّره بما كان من ضمانه لهم ، فأعلمه أنّه يدارى ما هو فيه.