مع تناقض الحديث في نفسه! فلابدّ له في قوله من أن يكون صادقاً أو كاذباً ، فإن كان صادقاً فأ نّى عرف ذلك؟ بوحي؟ فالوحي منقطع ، أو بالتظنّي فالتظنّي متحيَّر ، أو بالنظر فالنظر مبحث. وإن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين ويقوم بأحكامهم ويقيم حدودهم كذّاب!
قيل : فقد جاء أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة!
قال المأمون : هذا الحديث محال ؛ لأنّه لا يكون في الجنة كهل ، ويُروى أنّ امرأة أشجعية كانت عند النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : «لا يدخل الجنة عجوز» فبكت ، فقال النبي : إنّ الله تعالى يقول : (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً* فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً* عُرُباً أَتْرَاباً (١)) فإن زعمتم أنّ أبا بكر يُنشأ شاباً إذا دخل الجنة فقد رويتم : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال للحسن والحسين : «إنهما سيّدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين ، وأبوهما خير منهما».
قال آخر : فقد جاء أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : لو لم أكن ابعث فيكم لبُعث عمر!
قال المأمون : هذا مُحال : لأنّ الله تعالى يقول : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ (٢)) وقال تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (٣)) فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه على النبوة مبعوثاً ومن اخذ ميثاقه ومؤخّراً؟!
قال آخر : إنّ النبي صلىاللهعليهوآله يوم عرفة نظر إلى عمر فقال : إنّ الله تبارك وتعالى باهى بعباده عامة وبعمر خاصة!
__________________
(١) الواقعة : ٣٥ ـ ٣٧.
(٢) النساء : ١٦٣.
(٣) الأحزاب : ٧.