على أنّ مطالبتهم بها لم يكن لماليتها بل كان رمزيّاً عن مقام الإمامة. وكأنهم كانوا يقولون كما قال جدّهما : «بلى كانت في أيدينا فدك ، من كل ما أظلّته السماء وأقلّته الأرض ، فشحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين! وما أصنع بفدك وغير فدك ...» (١) «فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون» (٢).
إلّا أنّ توالي ما ظهر من المأمون من ظواهر الخير للرضا والجواد عليهماالسلام ولجدهما علي عليهالسلام ولخصمه اللدود معاوية ، جعل من المسلّم به لدى ابني عمّ من أحفاد السجاد عليهالسلام هما : محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين عليهالسلام ، ومحمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليهالسلام ، أنهما إذا طالبا المأمون بفدك ردّه عليهما ، وكذلك كان بلا مراجعة للجواد عليهالسلام.
فهذان ومعهما جمع من بني الحسين والحسن عليهماالسلام ، رفعوا إلى المأمون يذكرون : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان قد وهب فدك لفاطمة ، وأنّ أبا بكر بعد وفاة رسول الله استولى عليها فسألْته أن يدفعها إليها. فسألها أن تُحضر شهوداً على ما ادّعت! فأَحضرت علياً والحسن والحسين وأُم أيمن.
فأحضر المأمون الفقهاء وسألهم عن ذلك ، فهم رووا أنّ فاطمة قالت هذا وشهد لها هؤلاء! وأنّ أبا بكر لم يُجز شهادتهم!
قال لهم المأمون : ما تقولون في ام أيمن؟ قالوا : امرأة شهد لها رسول الله بالجنة! فنصّهم المأمون إلى أن قالوا : إنّ علياً والحسن والحسين لم يشهدوا
__________________
(١) كتاب أمير المؤمنين علي عليهالسلام في أوائل عهده لواليه على البصرة عثمان بن حُنيف الأنصاري.
(٢) من خطبة فاطمة عليهاالسلام في المسجد النبوي الشريف ، راجع المجلد الرابع من هذا الكتاب.