وأذكار أُخرى! ـ ونهى عن الإعوال عليه وقال : فإنّ المعوّل عليه يعذّب! وبعدها ذكر الطبري : وحين اشتدّ به الوجع وأحسّ بمجيء أمر الله دعا أخاه المعتصم وأوصاه بوصايا خاصة ومفصّلة ومنها : «وهؤلاء بنو عمّك من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه ، فأحسن صحبتهم ، وتجاوز عن مسيئهم ، واقبل من محسنهم ، ولا تغفل عن صِلاتهم في محلها كل سنة ، فإنّ حقوقهم تجب من وجوه شتّى» (١).
ولمّا أمسى وثقل قال : أخرجوني أُشرف على عسكري وانظر إلى رجالي وأتبيّن ملكي! فأُخرج وأُشرف به على الخيم والجيش وانتشاره وكثرته وما قد أوقدوا من نيران ، فقال : يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه ؛ ثمّ رُد إلى مرقده.
وأجلس المعتصم عنده من يلقّنه الشهادتين إذا ثقل حاله ، وعنده ابن ماسويه الطبيب ، فلمّا ثقل حاله رفع الرجل صوته ليلقّنه ، فتجرّأ ابن ماسويه وقال له : لا تصح ، فوالله إنه ما يفرّق الآن بين ربّه وبين ماني! ففتح المأمون عينيه وقد احمرّتا وأراد أن يبطش بابن ماسويه فعجز ، فجرت عبراته وانطلق لسانه فقال : يا من لا يموت ؛ ارحم من يموت! ثمّ قضى (٢).
وطرسوس كانت أقرب إلى ثغور المسلمين وكان بها دار لخاقان خادم الرشيد ، فحملوه إليها وصلّى عليه المعتصم ، ودفنوه بها ، ووكّلوا به حُرّاساً من طرسوس وغيرها مئة رجل لكل منهم تسعون درهماً في كل شهر (والدار على يسار المسجد ودُفن بسلاحه!).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٨ : ٦٤٧ ـ ٦٥٠.
(٢) مروج الذهب ٣ : ٤٥٨.