فأقام المعتصم هناك ثلاثة أيام يتصيد ، فوجد شهيّة زائدة للطعام ، رآها من تأثير التربة والماء والهواء ، فالأرض صحيحة والهواء طيب والفضاء واسع تسافى فيه الأبصار ، فاستطاب الموضع ودعا بأهل الدير فاشترى منهم أرضهم بأربعة آلاف دينار.
وارتاد لبناء قصره موضعاً عرف بالوزيرية فأسّس بنيانه فيه ، وأحضر له العمال والصّناع وأهل المهن من سائر الأمصار ، ونقل إليها من سائر البقاع أنواع الأشجار والغروس. وجعل للأتراك قطائع متحيّزة ، ثمّ جاورهم بالأشروشية وأهل فرغانة وغيرها من مدن خراسان على قدر اقترابهم في بلادهم! واختُطّت الخطط واقتُطعت القطائع والشوارع والدروب ، وأُفرد أهل كل صنعة بسوق ، وكذلك التجار! وأُجريت المياه من دجلة ، وكذا استُنبطت بالآبار ، فبنى الناس وارتفع البناء وشُيّدت القصور والدور وكثرت العمارة.
وتسامع الناس أنّها اتّخذت دار الملك فقصدوها وأجهزوا إليها أنواع الأمتعة ، وكثر العيش واتّسع الرزق والخصب. وكان بدء ذلك سنة (٢٢١ ه) (١).
وفي اليعقوبي : حُفرت الأنهار في شرقي دجلة ، ونصبت الدوالي والدواليب عليها ، وحمل إليها الناس من كل بلد ، وأمرهم أن يعمروها عمارة بلدهم. وحمل إليها قوماً من أرض مصر يعملون القرطاس فعملوها بأدون من جودتها (٢).
وعُرفت سامرّاء باسم العسكر ، والعسكر بالأتراك ، وقال السيوطي : بلغوا بضعة عشر ألفاً! فهجاهم دعبل الخزاعي وفرّ إلى مصر ثمّ غاب في المغرب :
ملوك بني العباس في الكتب سبعة |
|
ولم يأتنا في ثامن منهم الكتبُ |
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة |
|
غداة ثووا فيه ، وثامنهم كلب! |
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ٤٦٦ ـ ٤٦٧.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧٣.