وضعف أمر السلطان في أرمينية وتغلّب بها ملوك الجبال وباب الأبواب «دربند» على ما يليهم من البطارقة والعرب ، فجهّز الواثق لهم جيشاً عظيماً بقيادة خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني ، فكتب إليه أكثرهم أنّهم لم يزالوا في الطاعة ووجّهوا إليه بهداياهم ، فقال : لا أقبل إلّاممّن يأتيني! واعتلّ خالد أياماً ثمّ مات ، وكان معه ابنه محمد بن خالد فولّاه الواثق مكان أبيه ، ولكن تفرّق أصحابه ، فكتب محمد بن خالد بذلك إلى الواثق فوجّه إليه أحمد بن بسطام ليردّهم ، فتوجه إلى نصيبين فضرب وحبس وأحرق دوراً حتّى ردّ إليه أصحاب أبيه فحارب بهم حتّى هزمهم وضبط البلاد (١).
واجتمع بطون من قيس في طريق الحجاز والحاج على رئيس لهم من سُليم يقال له عزيرة الخُفّافي السلمي وبايعوه بالخلافة! وأخذوا يقطعون الطرق وتخلّف الناس عن الحج! فوجّه الواثق بُغا التركي الكبير وأمره أن يقتل من يراه من الأعراب! فقاتلوه فقَتل خلقاً عظيماً منهم وصلبهم على الأشجار. وكانت قد بقيت بالمدينة دار كبيرة ليزيد بن معاوية ، فأسر كثيراً وحبسهم بها ، فنقبوه وخرجوا فقتل كثيراً منهم أهل المدينة ، وحمل بُغا الباقين منهم أُسراء إلى سامراء (٢).
كان عمر الهادي عليهالسلام يومئذٍ (١٨) عاماً ، وكان يوم دخل بُغا التركي بتعبئته المدينة أبو هاشم الجعفري وجماعة عند الإمام فقال لهم : اخرجوا بنا حتّى ننظر إلى تعبئة هذا التركي!
قال أبو هاشم : فخرجنا فوقفنا على دوابنا فمرت بنا تعبئته وفيها تركي كلّمه أبو الحسن عليهالسلام بالتركية. فنزل الرجل عن فرسه ووقع إلى الأرض حتّى قبّل حافر دابة أبي الحسن عليهالسلام.
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٨١.
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٨٠.