مناظرته له أن قال له : أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب : أنّه ليس من الأرض بقعة إلّاوهي قبر أو ستكون قبراً؟! فانظر إلى هذه البريّة أين من يموت فيها حتّى يملأها الله قبوراً كما زعم؟! فانخذل الكاتب في أيدينا وتضاحكنا ساعة من كلامهم!
قال : وسرنا حتّى دخلنا المدينة في عشرة أيام فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا عليهالسلام فدخلت إليه (وسلّمت إليه كتاب المتوكل) فقرأ كتاب المتوكل فقال : لا خلاف من جهتي.
وصرت إليه غداً فإذا قد أرسل إلى خياط وبين يديه ثياب غلاظ يقطّعها خفاتين له ولغلمانه ، ثمّ قال له : اجمع عليها جماعة من الخياطين لتفرغ منها في يومك هذا! وبكّر بها إليّ في هذا الوقت!
ثمّ نظر إليّ وقال لي : يا يحيى اقضوا وطركم من المدينة اليوم ، وغداً في هذا الوقت أعمل على الرحيل!
قال هرثمة : فقلت في نفسي : نحن في حرّ تموز وحرّ الحجاز ، وإنما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام! فما يصنع بهذه الثياب؟! ثمّ قلت في نفسي : هذا رجل لم يسافر فهو يقدّر أنّ كل سفر يحتاج فيه إلى هذه الثياب ، وتعجبت من «الرافضة» حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا! فهل يخاف أن يلحقنا البرد والشتاء في الطريق حتّى يأخذ معه هذه اللبابيد والبرانس والخفاتين؟!
فعدت إليه في الغد فإذا الثياب حاضرة! وقال لغلمانه : احملوها وقال لي : ارحل يا يحيى (١).
وأسند المسعودي عن يحيى بن هرثمة قال : وجّهني المتوكل لإشخاص
__________________
(١) الخرائج والجرائح ١ : ٣٩٣ ـ ٣٩٥.