فوافيت الناحية مساءً ومعنا الفعَلة والروزكاريّون (١) معهم المرور والمساحي (٢)(٣) فأمرت أصحابي وغلماني أن يأخذوا الفعَلة بتخريب القبر وحرث أرضه ، وكان قد نالني من تعب السفر فطرحت نفسي ونمت وذهب بي النوم ، فإذا ضوضاء شديدة وأصوات عالية ونبّهوني فقمت ذعراً وسألتهم : ما شأنكم؟ وكان ذلك في أول ليل من الليالي البيض المقمرة فقالوا : إنّ بموضع القبر قوماً يرموننا بالنُشّاب ليحُولوا بيننا وبين القبر! فقمت معهم لأتبيّن الأمر فوجدته كما وصفوا. فأمرتهم برميهم فرموهم فعادت سهامنا إلينا وما أصابت إلّاأصحابها الذين رموا بها! فاستوحشت لذلك وجزعت وأخذتني القشعريرة ثمّ الحمّى! فوطّنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لأني لم أبلغ في القبر ما تقدّم إليّ به (٤)!
فكأنّه أراد بهذا أن يبرّئ نفسه من جرأة التجاسر على قبر الحسين عليهالسلام ولا سيما نبشه!
وقال السيوطي : سنة (٢٣٦ ه) أمر المتوكل بهدم قبر الحسين وهدم ما حوله من الدور ، وأن يُعمل مزارع! ومنع الناس من زيارته ، فخُرّب وبقي صحراء! فتألم الناس من ذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على المساجد والحيطان ، وهجاه الشعراء (٥).
كان هذا عام (٢٣٧ ه) وسيتكرر عام (٢٤٧ ه) أي بعد عشرة أعوام ، وخبره في : ٣٩٦.
__________________
(١) كلمة فارسية تعني العمال اليوميّين في أُجورهم.
(٢) المساحي : جمع المِسحاة. والمرور جمع المرّ : مِسحاة قصيرة.
(٣) أمالي الطوسي : ٣٢٧ ، الحديث ١٠٢ ، المجلس ١١.
(٤) أمالي الطوسي : ٣٢٧ ، الحديث ١٠٢ ، المجلس ١١.
(٥) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٤٠٧.