ملحفة من الصوف ، متوجهاً إلى ربّه يترنّم بآيات الوعد والوعيد ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل فيه. فاخذ على ما وجد عليه وحُمل إلى المتوكل حالاًّ ، فمثل بين يديه ، وكان بيد المتوكل كأس من شراب وقد شرب منه.
فلمّا رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه ، وناوله الكأس الذي في يده! فقال له : يا أمير المؤمنين! ما خامر لحمي ودمي قط! فاعفني منه! فعافاه عنه ولكنه قال : فأنشدني شعراً أستحسنه! فقال له : إني لقليل الرواية للأشعار. قال : لابدّ أن تُنشدني! فأنشده :
باتوا على قُلل الأجبال تحرسهم |
|
غُلب الرجال ، فما أغنتهم القُلل |
واستُنزلوا ـ بعد عزّ ـ عن معاقلهم |
|
فاودعوا حفراً! يا بئسما نزلوا |
ناداهم صارخ ـ من بعد ما قُبروا : |
|
أين الأسرّة والتيجان والحُلل |
أين الوجوه التي كانت منعَّمةً |
|
من دونها تُضرب الأستار والكِلل |
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم : |
|
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل |
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا |
|
فأصبحوا بعد طول الأكل قد اكلوا |
وطالما عمّروا دوراً لتحصنهم |
|
ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا |
وطالما كنزوا الأموال وادّخروا |
|
فخلّفوها على الأعداء وارتحلوا |
أضحت منازلهم قفراً معطّلة |
|
وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا |
فأشفق من حضر وظنّوا أن بادرة تبدر من المتوكل إلى علي عليهالسلام ولكنّه بكى فبكى من حضر ، وأمر برفع الشراب!
ثمّ التفت إلى أبي الحسن وقال له : أعليك دَين؟ قال : نعم ، أربعة آلاف دينار! فأمر بها إليه وردّه إلى منزله مكرّماً (١)!
__________________
(١) مروج الذهب ٤ : ١٠ ـ ١٢ ، وعنه في تذكرة الخواص ٢ : ٤٩٦ ـ ٤٩٨ وبهامشه