ونقل المسعودي الخبر عن البحتري الشاعر شاهداً حاضراً ناظراً مباشراً قال : كان من عادة المتوكل إذا سكر سكراً شديداً وتمايل يقيمه خدمه الذين عند رأسه! وسكر المتوكل تلك الليلة سكراً شديداً ومضى نحو ثلاث ساعات من الليل! إذ أقبل باغر على رأس عشرة من الأتراك معه متلثّمين وبأيديهم سيوفهم تبرق في ضوء الشموع! وأقبلوا إلى المتوكل ، وصعد باغر السرير فصاح الفتح : ويلكم مولاكم! وتطاير من حضر من الجلساء والندماء والغلمان ولم يبقَ غير الفتح وهو يمانعهم ، وضرب باغر بسيف المتوكل على جانبه الأيمن فشقه إلى خاصرته وثانية على جانبه الأيسر ، وضرب أحد الأتراك بسيفه في بطن الفتح فأخرجه من متنه! فطرح بنفسه على المتوكل فماتا معاً! فلفّوهما بالبساط وطرحوهما ناحية.
هذا مع كثرة الموالي والجند والشاكرية (چاكران) ودرّ العطاء لهم وجليل ما كانوا يقبضونه في كل شهر من الجوائز والهبات! وأنفق على الجوسق (كوشك) الجعفري والقصر الهاروني أكثر من مئة ألف درهم! وصارت إليه أربعة آلاف سريّة وطأهنّ جميعاً! مئتان منهن هدايا ابن طاهر! منهن محبوبة المؤدّبة المثقفة الشاعرة والمغنّية بالعود فأحبّها جدّاً! فلمّا قُتل المتوكل ضُمّت هي وكثير من الوصائف إلى بُغا الكبير!
وبويع ابنه المنتصر صباحاً في القصر الجعفري وهو ابن (٢٥) عاماً من امّ ولد رومية اسمها حبشية! ونفى عبيد الله بن يحيى بن خاقان من الوزارة واستوزر أحمد بن الخصيب (١) بن الضحاك الجرجاني!
وفي اليوم التالي أحضر القواد والكُتاب والوجوه في الجعفرية فخرج عليهم
__________________
(١) مروج الذهب ٤ : ٣٤ ـ ٤٨.