فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سُمرة وبشعره قطط وبأسنانه تفليج ، فجذب برداء جعفر وقال له : يا عمّ تأخّر! فأنا أحق بالصلاة على أبي! فتأخر جعفر وقد اربدّ وجهه واصفر ، وتقدم الصبيّ فصلّى عليه.
ثمّ توجّه إليّ وقال لي : يا بصري ، هات جوابات الكتب التي معك. فدفعتها إليه وقلت في نفسي : هاتان بيّنتان ، وفي خبر الهميان ، وكان جعفر قد خرج من الدار فخرجت إليه ، وكان معه حاجز الوشّاء فقال له : يا سيدي ، مَن الصبيّ لنقيم عليه الدعوى؟! فقال : والله ما رأيته قط ولا أعرفه!
فبينا نحن جلوس إذ قدم نفر من «قم» وعرفوا وفاة الحسن بن علي عليهالسلام ، فقالوا : فمن نعزّي؟ فأشار الناس إلى جعفر ، فسلّموا عليه وعزّوه وقالوا : إنّ معنا كتباً ومالاً ، فتقول : ممّن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول : يريدون منّا أن نعلم الغيب؟
فخرج الخادم (؟) وقال : معكم كتب فلان وفلان ، وهميان فيه ألف دينار عشرة منها مطليّة!
فقالوا له : إنّ الذي وجّه بك لأخذ ذلك هو الإمام ودفعوا إليه الكتب والمال (١).
ونحوه ما أسنده الطوسي عن رجل من العباسيين الحاضرين يومئذ يُدعى أحمد بن عبد الله قال : كنا نحن من ولد العباس الحاضرين دار أبي محمد الحسن بن علي بن الرضا بسامرّاء يوم توفي ، تسعة وثلاثين رجلاً قعود ننتظر ، فأُخرجت جنازته ووضعت ، فخرج غلام عشاريُّ (السنّ) حاف عليه رداء قد تقنّع به ، فقمنا له هيبة منه ولا نعرفه! وقام الناس ، فتقدم للصلاة ،
__________________
(١) كمال الدين : ٤٧٥ ، ٤٧٦ ، الحديث ٢٥.