أهواؤهم ونطقت بها ألسنتهم ، على غير معرفة ولا روية ، وقلّدوا فيها قادة الضلالة بلا بيّنة ولا بصيرة ، وخالفوا السنن المتّبعة إلى الأهواء المبتدعة.
قال الله عزوجل : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١)) خروجاً عن الجماعة ومسارعة إلى الفتنة ، وإيثاراً للفرقة وتشتيتاً للكلمة ، وإظهاراً لموالاة من قطع الله عنه الموالاة وبتر عنه العصمة وأخرجه من الملة وأوجب عليه اللعنة! وتعظيماً لمن صغّر الله حقّه وأوهن أمره وأضعف ركنه من «بني أُمية» الشجرة الملعونة! ومخالفة لمن استنقذهم الله به من الهلكة ، وأسبغ به عليهم النعمة من أهل بيت الرحمة والبركة.
قال الله عزوجل : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢)).
فأعظم أمير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك ، ورأى في ترك إنكاره حرجاً عليه في الدين ، وفساداً لمن قلّده الله أمره من المسلمين ، وإهمالاً لما أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين وتبصير الجاهلين ، وإقامة الحجة على الشاكّين ، وبسط اليد على المعاندين.
إنّ الله عزوجل لما ابتعث محمداً بدينه وأمره أن يصدع بأمره ، بدأ بأهله وعشيرته فدعاهم إلى ربّه ، وأنذرهم وبشّرهم ونصح لهم وأرشدهم ، فكان من استجاب له وصدّق قوله واتّبع أمره نفر يسير من بني أبيه ، من بين مؤمن بما أتى من ربّه ، وبين ناصر له وإن لم يتّبع دينه ، إعزازاً له وإشفاقاً عليه ، لماضي علم الله فيمن اختاره منهم ، ونفذَت مشيئته فيما يستودعه إياه من خلافته وإرث نبيّه ، فمؤمنهم مجاهد بنصرته وحميّته ، يدفعون من نابذه وينهرون من عازّه وعانده ،
__________________
(١) القصص : ٥٠.
(٢) آل عمران : ٧٤.