فقلت : يا أمير المؤمنين! يقولون ذلك. قال : ويحك يا ريّان! أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة قد استقامت له الرعية والقوّاد ، واستوت له الخلافة فيقول له : ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك؟! أيجوز هذا في العقل؟! قلت له : لا والله يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد! فقال : والله ما كان كما يقولون ، ولكن سأُخبرك بسبب ذلك :
إنّه لما كتب إليّ أخي محمّد (الأمين) يأمرني بالقدوم عليه فأبيت عليه ؛ عقد لعلي بن عيسى بن ماهان وأمره أن يقيّدني ويجعل الجامعة في عنقي! وورد الخبر بذلك عليَّ ، وكنت قد بعثت هرثمة بن أعين إلى صاحب السرير في حوالي سيستان ، فهزمه صاحب السرير وغلب على ناحيته من كور سيستان وكرمان ، فلمّا ورد ذلك عليَّ ما كان لي مال أتقوّى به فلم يكن لي قوة بذلك ، ورأيت من رجالي وقوّادي الجبن والفشل! حتّى أردت أن الحق بملك كابل! ثمّ قلت في نفسي : إنّ ملك كابل رجل كافر ، وإن محمّداً (الأمين) يبذل له الأموال فيدفعني إليه!
فلم أجد وجهاً أفضل من أن أتوب إلى الله عزوجل من ذنوبي واستجير بالله واستعين به على هذه الأُمور! فصببت عليَّ الماء (واغتسلت) ولبست ثوبين أبيضين ، وصليت أربع ركعات قرأت فيها ما حضرني من القرآن ، ودعوت الله واستجرت به وعاهدته عهداً وثيقاً بنية صادقة : أنّه إن أفضى الله بهذا الأمر إليّ وكفاني هذه الأُمور الغليظة ، أن أضع هذا الأمر في موضعه الذي وضعه الله فيه!
ثمّ بعثت (طاهر بن الحسين الخزاعي) إلى علي بن ماهان فكان من أمره ما كان ، وبعثت إلى صاحب السرير فبذلت له شيئاً حتّى رجع ، وبعثت هرثمة إلى رافع (بن أعين) فظفر به وقتله ، فلم يزل أمري يقوى حتّى كان من أمر أخي محمّد (الأمين) ما كان ، وأفضى الله! إليّ بهذا الأمر واستوى لي.