وقال ابن العبري : كان الحسين الحلّاج قدم من خراسان إلى العراق ، ثمّ سار إلى مكة فأقام سنة في حجر إسماعيل عليهالسلام لا يستظلّ تحت سقف صيفاً ولا شتاءً! ورُئي صيفاً على جبل أبي قبس على صخرة حافياً حاسراً مكشوف الرأس والعرق يجري منه على الأرض!
ثمّ عاد الحلّاج إلى بغداد ، وكان ابتداء حاله أنه كان يُظهر الزهد ويُظهر الكرامات ، قيل : إنه حرك يده يوماً على قوم فانتثر عليهم دراهم على الوجه الرائج ، فقال له بعض من تفهّم أمره : أرى دراهم معروفة معمولة ، أما أنا وخلق معي فسنؤمن بك إن نثرت علينا درهماً عليه اسمك واسم أبيك!
فقال : كيف وهذا لم يصنع بعد؟! فقال له : إنّ من يحضر ما ليس بحاضر يصنع ما ليس بمصنوع! فانقطع الحلّاج.
ومع ذلك افتتن به خلق كثير اعتقدوا فيه الربوبية بل الحلول ، وقال قومٌ : هو رجل محتال مشعبذ يتعاطى مذاهب الصوفية ، ومع ذلك يدّعي أحياناً : أنّ الأُلوهية قد حلّت فيه فهو هو!
ثمّ نُقل عنه إلى الوزير (حامد؟) أنه أحيا أمواتاً! فاستحضره الوزير وسأله عن ذلك فقال : أعوذ بالله أن أدّعي الربوبية أو النبوة بل إنما أنا أعبد الله! فلم يتمكّن الوزير من قتله (١) بل حبسه.
وقال ابن الوردي : قدم من خراسان إلى العراق ثمّ إلى مكة فأقام سنة في حجر إسماعيل عليهالسلام صائماً يفطر بثلاث عضّات من خبز وشربة ماء! ثمّ عاد إلى بغداد صوفيّاً من الزّهاد ، يُخرج للناس في الصيف فاكهة الشتاء وفي الشتاء
__________________
(١) تاريخ مختصر الدول : ١٥٦.