فأرسل إليه أبو سهل يقول له : إني أسألك أمراً يسيراً يسهل مثله عليك في جَنب ما ظهر على يديك من البراهين والدلائل! وهو أني رجل أُحبّ الجواري وأصبوا إليهن ، ولي منهن عدة أتحظّاهن ، والشيب يبعدني عنهن ويبغّضني إليهن ، واحتاج أن اخضّبه في كل جمعة ، وأتحمّل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك ، وإلّا انكشف أمري عندهن ، فيصير القرب بعداً والوصل هَجراً ، وأُريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤونته وتجعل لحيتي سوداء فإني طوع يديك وصائر إليك وقائل بقولك وداع إلى مذهبك ، مع مالي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة.
فلما سمع ذلك الحلّاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته والخروج إليه بمذهبه ، فأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً.
وأما أبو سهل النوبختي فقد صيّرها أُحدوثة وضحكة ، وشهر أمره عند الكبير والصغير ، وأخذ يطنّز به عند كل أحد ، حتى كان هذا الفعل سبباً لكشف أمر الحلّاج وتنفير الجماعة عنه (١).
وعن ابن النديم عن عبيد الله بن أبي طاهر : أنّ الحسين الحلّاج كان رجلاً محتالاً مشعوذاً ، يتعاطى مذاهب الصوفية ويتحلّى بألفاظهم ، ويدّعي كل علم وهو صفر فيه ، وإنما كان يعرف شيئاً من صناعة الكيمياء. وكان جاهلاً مقداماً متهوّراً جسوراً على السلاطين مرتكباً للعظائم ، يروم انقلاب الدول ، ويُظهر لهم مذاهب الشيعة وللعامة مذاهب الصوفية. وفي تضاعيف ذلك يدّعى أنّ الأُلوهية قد حلّت فيه. بل يدّعي عند أصحابه الأُلوهية وأنه هو هو (٢)!
__________________
(١) كتاب الغيبة للطوسي : ٤٠١ ، الحديث ٣٧٦.
(٢) الفهرست لابن النديم ، وعنه في هدية الأحباب للقمي : ١٤٢ ، ١٤٣.