وكانت تُسأل كثيراً عن أمر الرضا عليهالسلام فتقول : ما أذكر منه شيئاً إلّاأني كنت أراه إذا صلّى الغداة (الفجر) في أول الوقت سجد فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشمس ، ثمّ يقوم ، ثمّ يركب (فيخرج) أو يجلس للناس. وكان يتبخّر بالعود الهندي السنيّ (الطيب) ويستعمل هو مسكاً أو ماء ورد. ولم يكن أحد يقدر أن يرفع صوته في داره كائناً من كان وإنّما يتكلم الناس همساً أو قليلاً.
قالت : ثمّ وهبني لجدك عبد الله بن العباس الصولي. قال محمّد بن يحيى الصولي : كان جدي عبد الله يوم وهُبت له دبّرها ، وكان يتبرك بها. وكانت جدتي هذه أتم امرأة عقلاً وسخاءً ، حتّى توفيت ولها مئة سنة ، عام (٢٧٠ ه) (١).
ولعلّه عليهالسلام حين وهبها للصولي بعث المأمون إليه جارية أُخرى ، فلمّا ادخلت إليه وكان الرضا عليهالسلام في ما بعد الخمسين من عمره وقد شاب شعره ، فلمّا رأت ذلك اشمأزّت من شيبه ، ورأى كراهيتها ، فردّها إلى المأمون ، وكتب إليه بالأبيات التالية :
نعى نفسي إلى نفسي المشيب |
|
وعند الشيب يتّعظ اللبيب |
فقد ولّى الشباب إلى مداه |
|
فلست أرى مواضعه تؤوب |
سأبكيه وأندبه طويلاً |
|
وادعوه إليّ ، عسى يجيب |
وهيهات الذي قد فات مني |
|
تمنّيني به النفس الكذوب |
وراعَ الغانياتِ بياضُ رأسي |
|
ومن مُدّ البقاء له يشيب |
أرى البيض الحِسان يحِدن عنّي |
|
وفي هجرانهن لنا نصيب |
فإن يكن الشباب مضى حبيباً |
|
فإنّ الشيب لي أيضاً حبيب |
سأصحبه بتقوى الله حتّى |
|
يفرّق بيننا الأجل القريب (٢)! |
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٧٩ ، الحديث ٣.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٧٨ ، الباب ٤٣ ، الحديث ٨.