يدخل الدار ويخرج منها حتى أن يكشف وجوه النساء المنقّبات! فعاتبهم القاهر على ذلك فما أفاد شيئاً ، فأرسل إلى أصحاب يوسف بن أبي الساج يأتلفهم إليه على أُولئك ويحلف لهم على الوفاء لهم ، فبلغ ذلك إلى ابن مقلة فذكر ذلك لمونس وبليق وابنه واتفقوا على خلع القاهر ، واتفقوا على أن يدخل علي بن بليق على القاهر بجماعة من عسكره راكبين إلى أبواب دار الخليفة فيقبض عليه. وعلم بذلك ظريف السكّري فعزم على إغراء القاهر بهم فحضر عنده في زيّ امرأة واجتمع به وذكر له ما قد عزموا عليه. فأنفذ إلى أُولئك الساجية وأحضرهم متفرقين وأكمنهم في الدهليز والممرات والرواقات.
وحضر الوزير علي بن بليق بعد العصر وفي رأسه نبيذ! ومعه عدد يسير من غلمانه بسلاح خفيف ، وطلب الإذن فلم يؤذن له وخرج إليه الجنود الساجيّون ففرّ منهم إلى دجلة وألقى نفسه في طرّادة اطّردت به إلى غربيّ دجلة واختفى فوراً. وبلغ ذلك إلى أبيه بليق الحاجب فحضر وأنكر ما جرى على ابنه وسبّ الجنود الساجيين ودخل إلى الخليفة ليعاتبه على ذلك فأمر بقبضه وقبض ابن زيرك ، وأرسل إلى أمير الأُمراء مونس المظفر ليحضر. فلمّا دخل الدار قبض عليه القاهر وحبسه! فلمّا قبض عليه ثار أصحابه وشغبوا وتبعهم الجيش كلّه! ودخل القاهر إلى علي بن بليق وأمر بذبحه فذُبح ووضع رأسه في طشت وحُمل بين يدي القاهر إلى أبي علي بليق الحاجب ووضع الطشت برأس ابنه بين يديه فبكى وأخذ يقبّله ويرشّفه فأمر القاهر بذبحه فذبح ووضع رأسه في الطشت وحُمل بين يدي القاهر ومضى حتى دخل على مونس فوضعا بين يديه وهما مولياه ، فلعن قاتلهما وتشهّد بالشهادتين فأمر القاهر بذبحه فذبحوه وأمر فحملوا الرؤوس وطافوا بها في جانبي بغداد ينادون عليها : هذا جزاء من يخون الإمام ويسعى في فساد دولته (١)!
__________________
(١) تاريخ مختصر الدول : ١٥٩ ، ١٦٠.