ثمّ نحن وهم كما زعمتم يد واحدة ، حتّى قضى الله بالأمر إلينا (!) فأخَفناهم وضيّقنا عليهم ، وقتلناهم أكثر من قتل بني أُمية إياهم! فإنّ بني أُمية إنّما قتلوا منهم من سلّ سيفاً! وإنّا معشر بني العباس قتلناهم جُملاً! فلتُسألنّ أعظُمٌ هاشمية : (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (١)) ولتُسألنّ نفوس القيت في دجلة والفرات ، ونفوس دُفنت ببغداد والكوفة أحياءً! هيهات إنّه (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (٢)).
وأما ما وصفتم من أمر «المخلوع» وما كان فيه من لَبس ، فلعمري ما لبَّس عليه أحد غيركم! إذ هوّنتم عليه النكث وزيّنتم له الغدر! وقلتم له : ما عسى أن يكون من أمر أخيك وهو رجل مُغرَّب! ومعك الأموال والرجال تَبعث عليه فيؤتى به! فكذبتم! ونسيتم قول الله تعالى : (ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللهُ (٣)).
أما ما ذكرتم من (لزوم) استبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا عليهالسلام فإنه ما بايع المأمون إلّامستبصراً في أمره ، عالماً بأنه لم يبقَ أحد على ظهرها أبين فضلاً ولا أظهر عفة ولا أورع ورعاً ولا أزهد زهداً في الدنيا ، ولا أطلق نفساً ولا أرضى في الخاصة والعامة ، ولا أشدّ في ذات الله منه! وإنّ البيعة له لموافقة لرضا الربّ عزوجل. ولقد جهدت ، وما أجد في الله لومة لائم. ولعمري أن لو كانت بيعتي معه محاباةً لكان العباس ابني وسائر ولدي (؟) أحبّ إلى قلبي وأجلى في عيني ، ولكن أردت أمراً وأراد الله أمراً فلم يسبق أمري أمر الله.
__________________
(١) التكوير : ٩.
(٢) الزلزلة : ٧ و ٨.
(٣) الحج : ٦٠.