(وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (١)) فأيكم لا يكون معه تسعة وتسعون من المفسدين في الأرض ، قد اتّخذتموهم شعاراً ودثاراً ، استخفافاً بالعباد وقلة يقين بالحساب ، فأيكم له رأي يُتّبع أو روية تنفع؟! فشاهت الوجوه وعُفّرت الخدود!
وما ذكرتم من عثرتي في أبي الحسن «نوّر الله وجهه» ، فلعمري إنها عندي النهضة والاستقلال! الذي أرجو به قطع الصراط ، والأمن والنجاة من الخوف يوم الفزع الأكبر ، ولا أظن أني عملت عملاً أفضل من ذلك عندي إلّاأن أعود بمثلها إلى مثله ، وأنى بذلك وأنى لكم بتلك السعادة؟!
وأما قولكم : إني سفّهت آراء آبائكم وأحلام أسلافكم! فكذلك قال مشركو قريش : (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢)) ويلكم! إنّ الدين لا يؤخذ إلّامن الأنبياء! فافقهوا! وما أراكم تعقلون.
وأما تعبيركم إياي بسياسة المجوس إياكم! فما يدفعكم الأنفةُ من ذلك (حتّى) لو ساستكم القردة والخنازير! (ولكنكم) ما أردتم إلّاأمير المؤمنين! ولعمري لقد كانوا مجوساً فأسلموا ، كآبائنا وامهاتنا في القديم! فهم المجوس الذين أسلموا وأنتم المسلمون الذين ارتدّوا ، فمجوسيّ أسلم خير من مسلم ارتدّ! فإنهم يتناهون عن المنكر ويأمرون بالمعروف ، ويتقربون من الخير ويتباعدون من الشرّ ، ويذبّون عن حرم المسلمين ، ويبتهجون بما ينال الشرك وأهله من النُكر ، ويتباشرون بما نال الإسلام وأهله من الخير (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٣)).
__________________
(١) النمل : ٤٨.
(٢) الزخرف : ٢٣.
(٣) الأحزاب : ٢٣.