الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١)) فبعث النبي عليهم وسألهم : هل حدَث شيء؟ قالوا : يا رسول الله ، لقد قال بعضنا كلاماً غليظاً كرهناه! فتلى عليهم رسول الله الآية! فبكوا واشتدّ بكاؤهم ، فأنزل الله عزوجل : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٢)).
وما بعث الله عزوجل نبياً إلّاأوحى إليه أن لا يسأل قومه أجراً لأنّ الله يوفّيه أجر الأنبياء ، إلّامحمّداً صلىاللهعليهوآله فقد فرض الله عزوجل مودة قرابته على أُمته ، وأمره أن يجعل أجره فيهم ليوَدّوه في قرابته ، بمعرفة فضلهم الذي أوجب الله لهم ، فإنّ المودة إنّما تكون على قدر معرفة الفضل. فلمّا أوجب الله تعالى ذلك ثقل لثقل وجوب «الطاعة» فتمسك بها قوم قد أخذ الله ميثاقهم على الوفاء ، وعاند أهل الشقاق والنفاق ، وألحدوا في ذلك فصرفوه عن حدّه الذي حده الله عزوجل فقالوا : القرابة هم العرب كلهم أو أهل دعوته! وعلى أي الحالتين فقد علمنا أن المودة للقرابة ، فأقربهم من النبيّ أولاهم بالمودة ، وكلما قربت القرابة كانت المودة على قدرها.
ثمّ قال : وما أنصفوا نبي الله في حيطته ورأفته ، وما منّ الله به على أُمته ، مما تعجز الألسن عن وظيفة الشكر عليه أن لا يوَدّوه في ذريته ، وأن لا يجعلوهم فيهم بمنزلة العين في الرأس ، حفظاً لرسول الله فيهم وحبّاً لهم ، فكيف والقرآن ينطق به ويدعو إليه؟! والأخبار ثابتة بأنهم الذين فرض الله تعالى مودّتهم ، ووعد الجزاء عليها ، فما وفى أحد بها ولا يأتي أحد بها مؤمناً مخلصاً إلّااستوجب الجنة .. وما وفّى بها أكثرهم! فهذه هي الآية السادسة.
__________________
(١) الأحقاف : ٨.
(٢) الشورى : ٢٥.