فعمل خالد بركة بفم الثقبة نُسبت إليه فقيل بركة القسري ، عملها بحجارة منقوشة ، واشتقّ من هذه البركة عيناً تجري في قصب من رصاص! إلى المسجد الحرام ، حتّى أظهرها في فوّارة تسكب في ساقية رخام بين الركن وزمزم.
ولمّا جرت وظهر ماؤها ، أمر خالد بنحر جُزر بمكّة قسمت بين الناس ، وعمل طعاماً دعا إليه الناس ، ثمّ صعد المنبر فقال : أيّها الناس احمدوا الله وادعوا لأمير المؤمنين الذي سقاكم الماء العذب بعد المالح الأُجاج الذي لا يطاق شربه (يعني زمزم).
فلم يجتمع على ذلك الماء اثنان من الناس ، بل ما زالوا أكثر ما كانوا على شرب زمزم! فلمّا رأى خالد ذلك تكلّم في خطبته على أهل مكّة بكلام قبيح يعنّفهم به على إقبالهم على زمزم وتركهم ذلك الماء.
ثمّ لم يُقم خالد بمكّة إلّاقليلاً حتّى سخط على امرأة قرشية فقذفها وأقبح في لفظه ، وبلغ ذلك سليمان فسخط على خالد ، فولّى طلحة بن داود الحضرمي على مكّة وأمره أن يعزل خالداً ويضربه بالسياط ثمّ يقيّده بالحديد ويحمله إلى سليمان ، ففعل الحضرمي ذلك (١).
وتزامن أن شرب عامل المدينة عثمان بن حيّان المرّي الخمر فقرف على عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفّان ، وبلغ ذلك سليمان ، فقلّدها أبا بكر بن محمّد بن حزم ، فضربه حدّين للخمر وللقذف أو القرف (٢) وحجّ سليمان سنة (٩٧ ه) فمرّ بالمدينة.
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، وفي مروج الذهب ٣ : ١٧٩ ، ذكر سبباً آخر : أنّ قرشياً هرب من خالد إلى سليمان فكتب إليه أن لا يعرض له فلمّا أتاه بالكتاب ضربه مئة سوط قبل أن يقرأ الكتاب!
(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٩٤.