شكِس الأخلاق ، جامعاً للأموال وقليل البذل للنوال ، ربعة من الرجال حسن البدن يخضب لحيته بالسواد (١) فشا الطاعون في زمانه حتّى هلك عامّة الناس! وذهب البقر والدّواب. وصُنع له أصناف الثياب الأرمني والوشمي والخزّ وغيره (٢) فسلك الناس في أيّامه مذهبه فمنعوا ما في أيديهم وقلّ الإفضال وانقطع الرّفد ، فلم يُرَ زمان أصعب من زمانه! وكان يستجيد الخيل ويقيم حلبات السباق بها ، حتّى اجتمع له فيها من خيله وغيره أربعة آلاف فرس ، ولم يعرف ذلك لأحد من الناس في جاهلية ولا إسلام. واصطنع الرجال وعُدد الحرب وقوّى الثغور ، واتّخذ القنوات والبُرك في طريق الحجّ إلى مكّة (٣).
ولمّا دخل هشام في سكرات الموت ، ركب رجلان من البريد من الرُّصافة إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك في قرية الأزرق فسلّما عليه بالخلافة ، فوجم ثمّ قال : أمات هشام؟! قالا : نعم ، فأرسلهم إلى الخزّان : أن احتفظوا بما في أيديكم! وكان له كاتب في سجن هشام يدعى عياض فخرج من سجنه وختم أبواب الخزائن ، فأفاق هشام وطلب شيئاً فمنعوه! فقال : إنّا لله! كأ نّا كنّا خُزّاناً للوليد! ثمّ مات. فأنزله عياض عن فراشه! وما وجدوا له قمقماً يسخّن له فيه الماء لغسله حتّى استعاروه ولا وجدوا له كفناً حتّى كفنه مولاه غالب ، والوليد يُنشد :
كِلناه بالصاع الذي كاله |
|
وما ظلمناه به إصبعا (٤)! |
__________________
(١) التنبيه والاشراف : ٢٧٩
(٢) تاريخ اليعقوبى ٢ : ٣٢٨.
(٣) مروج الذهب ٣ : ٢٠٥.
(٤) تاريخ مختصر الدول ١١٧