ولولا اشتغالي بغيركم ما تركت الأخذ على أيديكم! نعم ، هم شباب مكتهلون في شبابهم ، غبيّة عن الشرّ أعينهم ، بطيّة عن الباطل أرجلهم ، فانظر إليهم في جوف الليل منثنية أصلابهم بمثاني القرآن ، إذا مرّ أحدهم بآية فيها ذكر الجنة بكى شوقاً إليها ، وإذا مرّ بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأنّ زفير جهنّم في آذانهم ، قد وصلوا كلال ليلهم بكلال نهارهم ، وقد أكلت الأرض جباههم وأيديهم ورُكبهم. مصفرّة ألوانهم ناحلة أجسامهم من طول القيام وكثرة الصيام ، ومستقلين ذلك في جنب الله موفون بعهد الله منجزون لوعد الله ، إذا رأوا سهام العدوّ قد فُوِّقت ورماحهم قد اشرعت وسيوفهم قد انتُضيت ، وأبرقت الكتيبة وأرعدت بصواعق الموت ، استهانوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله ، ومضى الشباب منهم قدماً .. فكم من عين في منقار طائر بكى صاحبها من خشية الله ، وكم من كفّ قد بانت بمعصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في سجوده في جوف الليل لله ، وكم من خدّ رفيق وجبين عتيق قد فلق بعمد الحديد! فرحمة الله على تلك الأبدان وأدخل أرواحها الجنان.
ثمّ قال : الناس منّا ونحن منهم! إلّاعابد وثن ، أو كفرة أهل الكتاب ، أو سلطاناً جائراً أو شادّاً على عضده! أيها الناس! سألناكم عن ولاتكم هؤلاء ، فقلتم فيهم الذي نعرف والله ، قلتم : أخذوا المال من غير حلّه فوضعوه في غير حقّه ، وحازوا في الحكم واستأثروا بحقوقنا وفيئنا فجعلوه دولة بين أغنيائهم وذوي شرف الدنيا منهم ، وجعلوا مقاسمنا وحقوقنا في مهور النساء وفروج الإماء!
فقلنا لكم : تعالوا إلى هؤلاء الذين ظلمونا وظلموكم وجاروا في الحكم فحكموا بغير ما أنزل الله ، فقلتم : لا نقوى على ذلك ، وددنا أنّا أصبنا من يكفينا! فقلنا : نحن نكفيكم ثمّ الله راع علينا إن ظفرنا لنعطينّ كل ذي حقّ حقّه.