حتّى نهكت الرعيّة وجهِدت ، فإن رأيت أن ترفق بها وترفّه عليها وتخفّف من خراجها ما تقوى به على عمارة بلادها فافعل ، فإنّه يستدرك ذلك في العام المقبل.
فقال له سليمان : هبلتك امّك؟ إحلب الدَرّ ، فإن انقطع فاحلب الدم (١). أو : احلب الدَرّ حتّى ينقطع ، واحلب الدم حتّى ينصرم! ثمّ قال : هذا اسامة لا يرتشي ديناراً ولا درهماً!
فقال له عمر بن عبد العزيز : أنا أدلّك على من هو شرّ من اسامة ولا يرتشي ديناراً ولا درهماً! قال سليمان : ومَن هو؟ قال : هو عدو الله إبليس! فغضب سليمان حتّى قام من مجلسه (٢)!
والمرّة الثانية : ما نقله السيوطي عن الإصفهاني : أنّ عمر بن عبد العزيز في مشورته لسليمان كان يشير عليه أن لا يقتل الخوارج وإنّما يحبسهم رجاء توبتهم ، فقال أحدهم لسليمان : يا فاسق ابن فاسق! فدعا سليمان بعمر ليسمعه ثمّ قال له : فماذا ترى عليه؟ فلمّا عزم عليه قال : أرى أن تشتمه كما شتمك! فأبى سليمان وأمر بقتله (٣).
والثالثة : ذكروا أنّ غلماناً لسليمان نازعوا غلماناً لعمر بن عبد العزيز ، فتعدّى غلمان عمر على غلمان سليمان ، فرفعوا ذلك إلى سليمان وأوغروه على عمر ، فقال له سليمان غاضباً : ألا تُنصف غلماني؟! فاعتذر عمر قال : ما سمعت بهذا إلّافي مقامي هذا وما علمت به قبل هذا الوقت. فقال سليمان : كذبت لقد علمته! فقال عمر : أنا كذبت؟! والله ما كذبت ولا تعمّدت كذباً منذ شددت مئزري على نفسي. وإنّ في الأرض عن مجلسك لسعة! ثمّ خرج عمر وتجهّز للسفر إلى
__________________
(١) الوزراء والكتّاب للجهشياري : ٣٢.
(٢) النجوم الزاهرة ١ : ٢٣٢.
(٣) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٨٦ عن حلية الأولياء للإصفهاني.