ومع ذلك كان الغالب عليه رجاء بن حَيوة الكندي فلمّا اشتدّ مرضه قال لرجاء : مَن لهذا الأمر بعدي؟ أَستخلف ابني؟ قال : ابنك (الكبير داود) غائب (في حصار الروم لا تدري أهو حيّ أم ميّت) والآخر صغير ، قال : فمن ترى؟ قال : عمر بن عبد العزيز. قال : أتخوّف أن لا يرضى به إخوتي ، قال : فاجعلها بعده لأخيك يزيد بن عبد الملك ، واكتب بذلك كتاباً تختم عليه وتدعوهم إلى بيعته مختوماً! فدعا بقرطاس وكتب العهد ودفعه إليه ، فخرج إليهم ، فقالوا : لا نبايع ، فرجع فأخبره ، فقال مُر صاحب الشرط والحرس فاجمعهم ومرهم ومن أبى فاضرب عنقه! فأمرهم فبايعوا ، ومات سليمان ففتح الكتاب فلمّا سمعوا : وبعده يزيد بن عبد الملك ، تراجعوا وتراضوا.
فلمّا أصعدوا عمر على المنبر جلس عليه طويلاً لا يتكلّم ثمّ مدّ يده إليهم فبايعوه ثمّ خطبهم خطبة قصيرة ثمّ نزل ، فأتوه بمركب الخليفة فقال : لا حاجة لي فيه إيتوني بدابّتي فأتوه بدابّته ، فانطلق إلى منزله ودعا بدواة وكُتب فكتب إلى عمّال الأمصار (١).
وقال ابن كثير : أخذ سليمان يستشير عمر بن عبد العزيز في بعض اموره ، وقال له : إنّا قد ولينا ما ترى وليس لنا علم بتدبيره ، فما رأيت من مصلحة العامة فمُر به فليكتب. فكان من ذلك أنّه ردّ الصلوات إلى مواقيتها (٢) فذلك ليس من سليمان بل من عمر.
وإنّما غضب سليمان على عمر بن عبد العزيز ثلاث مرّات :
الأُولى : أنّ عامل سليمان على خراج مصر كان اسامة بن زيد التنوخي ، فقدم عليه بما اجتمع عنده من الخراج وقال له : يا أمير المؤمنين ، إني ما جئتك
__________________
(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٧٠ ـ ٢٧١.
(٢) البداية والنهاية ٩ : ١٧٨.