ومن خبر المفضل بن عمر الجعفي الكوفي عن ابن أبي العوجاء هذا يظهر أنّه التقى الصادق عليهالسلام مناظراً له غير مرة ، وكان مع صاحبه ـ ولعلّه ابن المقفّع ـ في روضة المسجد النبوي الشريف ، وتذاكرا ابتداء الأشياء فزعم ابن أبي العوجاء أن ذلك كان بلا صنعة ولا تدبير ولا صانع ولا تقدير ؛ بل الأشياء تتكون من ذاتها بلا مدبّر ، فهي على هذا لم تزل ولا تزال!
وسمعهما المفضل فلم يتمالك نفسه غضباً حتّى صاح به منكراً عليه قائلاً له : يا عدو الله! أنكرت الباري جلّ قدسه الذي خلقك في أحسن تقويم وصوّرك في أتم صورة ونقلك في أحوالك حتّى بلغ بك إلى حيث انتهيت ، وألحدت في دين الله!
فقال : يا هذا ، إن كنت من أهل الكلام كلّمناك .. وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمّد الصادق.
فلقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت .. فهو يسمع كلامنا ويصغى إلينا ويتعرّف حجّتنا حتّى إذا استفرغنا ما عندنا وظننا أنّا قطعناه ، دحض حجّتنا بكلام يسير وخطاب قصير ، يُلزمنا به الحجّة ويقطع العذر ولا نستطيع لجوابه ردّاً! فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه ، فإنه ما أفحش في خطابنا ولا تعدى في جوابنا ، وإنّه الحليم الرزين والعاقل الرصين ، لا يعتريه خرق ولا نزق ، وما هكذا يخاطبنا ولا بمثل دليلك يجادلنا.
قال المفضّل : فخرجت من المسجد مفكّراً فيما بلي به الإسلام وأهله من كفر هذه العصابة.
ودخلت على مولاي (الصادق عليهالسلام) فرآني منكسراً فقال : مالك؟ فأخبرته بما سمعته من هذين الدهريَّين وبما رددت عليهما.
فقال : يا مفضل لألقينّ عليك من حكمة الباري «جلّ وعلا وتقدّس اسمه» في خلق العالم والسباع والبهائم والطير والهوام ، وكل ذوي روح من الأنعام ،