فقال عليهالسلام : إن من أضلّه الله وأعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذ به ، وصار الشيطان وليّه وربّه ، يورده موارد الهلكة. (إنّ) هذا بيت استعبد الله به خلقه! ليختبر طاعتهم في إتيانه ، فحثّهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله قبلة للمصلّين له ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى عرفانه ، منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال ، خلقه قبل دحو الأرض بألفي عام. فأحقّ من يُطاع في ما أمر وينتهى عمّا زجر هو الله عزوجل المنشئ للأرواح والصور!
فقال ابن أبي العوجاء : أبا عبد الله ، ذكرت الله فأحلت على غائب!
فقال عليهالسلام : يا ويلك! كيف يكون عنّا غائباً من هو مع خلقه شهيد ، وهو إليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم وإسرارهم ، لا يخلو منه مكان ولا يشغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان. تشهد بذلك له آثاره وتدل عليه أفعاله ، والذي بعثه بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة محمّد صلىاللهعليهوآله قد جاءنا بهذه العبادة ؛ فإن شككت في شيء من أمره فسل عنه أوضحه لك.
فسكت ابن أبي العوجاء وجاء إلى أصحابه وقال لهم : سألتكم أن تلتمسوا لي خُمرة فألقيتموني على جَمرة! وقالوا له : لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك! وما رأينا أحقر منك اليوم في مجلسه!
فأومأ بيده إلى الناس وكانوا محلَّقين فقال : إنّه ابن من حلق رؤوس من ترون (١)! وعلى ذكر ابن المقفّع في مقدمة الخبر هذا ، يظهر منه أنّه كان ذلك قبل مقتله.
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ١٩٩ ـ ٢٠١ ، عن الكليني في الكافي ٤ : ١٩٧ ، الحديث ١ ، ولكن الخبر هنا أتمّ وأكمل ، وكذا الصدوق في الأمالي والعلل بدون المقدّمة فليس فيه ذكر ابن المقفّع وأصحابه ، ولذا نقلته من الإرشاد. وانظر بعض الأخبار عنه في أمالي المرتضى ١ : ١٣٤ ـ ١٣٧.