وما والاها ، والموصل والجزيرة والشام ، ثمّ مصر والمغرب ، والجبال وخراسان. وفي غرب دجلة اختطّ المدينة مدوّرة ولها أربعة أبواب : باب على دجلة إلى خراسان ، وباب على نهر الصراة التي تأخذ من الفرات وتصبّ في دجلة ، هي باب البصرة ، وباب إلى الكوفة ، وباب إلى الشام. وعرض أسفل السور سبعون ذراعاً ، وعلى كل باب قباب مذهّبة! يُصعد إليها بالخيل! وأحضر لبنائها البنّائين والمهندسين والفعلة من كل بلد ، ثمّ أقطع مواليه وقواده القطائع داخل المدينة ، فدروب المدينة تُنسب إليهم ، وأقطع آخرين على أبواب المدينة ، وأقطع الجند أرباض المدينة وأخذهم بالبناء (١).
ولما عزم على البناء أمر بنقض المدائن وايوان كسرى ، فنقضت ناحية من القصر الأبيض وحُمل نقضه إلى بغداد ، فنظروا فكان مقدار ما يلزمهم لنقضه وحمله أكثر من ثمن الجديد فأعرضوا عنه. وجعل بغداد مدورة لكي لا يكون بعض الناس أقرب إلى السلطان من بعض! وعمل لها سورين الخارج أقصر والداخل أعلى ، وبنى قصره في وسطها وبجنبه المسجد الجامع وقبلته منحرفة إلى باب البصرة (٢)! وكان يعمل له لبناء بغداد في كل يوم خمسون ألف رجل (٣).
وقيل : إن الذي عيّن له موقع بغداد هو المنجّم الفارسي نوبخت ، واصطحبه المنصور وهو أوّل خليفة اصطحب المنجّمين وعمل بأحكام النجوم ، كما يأتي عن السيوطي في وفاة المنصور.
ولما ضعفت صحة نوبخت قال له المنصور : أحضر ابنك ليقوم مقامك ، فأحضره وكان اسمه طويلاً بالفارسية ، فقال له : كل ما ذكرت فهو اسمك؟
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤.
(٢) تاريخ مختصر الدول لابن العبري : ١٢٢.
(٣) مروج الذهب ٣ : ٣٠٨.