ثمّ قال ابن شُبرمة : يا أبا عبد الله ، إنا قضاة العراق! نقضي بالكتاب والسنة ، وترد علينا أشياء نجتهد فيها بالرأي؟
فأعرض عنه الصادق عليهالسلام إلى من عن يساره يحدثهم ، ولما رأى الناس ذلك تركوا الإنصات وأقبل بعضهم على بعض يتحدثون.
فمكث ابن شُبرمة ماشاء الله ثمّ عاد لمثل قوله ، ففي هذه المرّة الثالثة أقبل عليه أبو عبد الله وقال له : أي رجل كان علي بن أبي طالب؟ فقد كان عندكم بالعراق ولكم به خبر. فقال ابن شبرمة فيه إطراءً وقولاً عظيماً. فقال له أبو عبد الله : فإن علياً أبى أن يُدخل الرأي في دين الله ، وأن يقول في شيء من دين الله بالرأي والمقاييس (١).
وحجّ المنصور ومعه عدّة من الفقهاء والقضاة فيهم ابن شُبْرمة ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وفي الطواف أخبره حاجبه الربيع بن يونس أن أحد مواليه مات وأحد مواليه قطع رأسه بعد موته! فسأل الفقهاء والقضاة : ما تقولون؟ فقالوا : ما عندنا في هذا شيء! ثمّ رأوا الصادق عليهالسلام دخل السعي فأخبروا به المنصور فقال للربيع : إذهب إليه وسله عن ذلك.
فلحقه الربيع وسأله عن ذلك فقال : قل له : عليه مئة دينار. فرجع الربيع وأبلغ المنصور ذلك فقالوا له : فاسأله : كيف صار عليه مئة دينار؟ فرجع إليه فسأله ذلك فقال : في النطفة عشرون وفي العلقة عشرون وفي المضغة عشرون وفي العظم عشرون وفي اللحم عشرون ، ثمّ أنشأه الله خلقاً آخر ، وهذا ميت بمنزلة جنين قبل أن ينفح الروح في بطن أُمه.
__________________
(١) المحاسن للبرقي ١ : ٣٣٢ ، الحديث ٧٧.