وسلك عيسى بطن فراة حتّى ظهر على الجُرف فنزل قصر سليمان بن عبد الملك ، صبيحة اثنتي عشرة ليلة من شهر رمضان سنة (١٤٥ ه) يوم السبت ، وكان يريد تأخير القتال إلى شهر شوال ، وبلغه أن محمّداً يقول : إنّ أهل خراسان على بيعتي ، وقد بايعني حميد بن قحطبة الطائي وسنفلت منهم! فعاجلهم عيسى ، يوم الاثنين للنصف من شهر رمضان فأحاط بهم.
وكان عيسى بن زيد بن علي على شرطة محمّد الحسني فتولّى قتال عيسى العباسي ، وجلس محمّد في أول القتال في المصلّى ، فلمّا اشتدّ الأمر بينهم جاء محمّد فباشر القتال بنفسه ، فقال عيسى العباسي لحميد بن قحطبة : أراك مداهناً! وأمره بالتجرّد لقتال محمّد فتولّى قتاله. وجعل محمّد ابن السفّاح بإزاء جُهينة ، وكثير بن حُصين الخزاعي بإزاء صالح ويزيد ابني معاوية بن عبد الله بن جعفر ، فأرسلا إليه يطلبان الأمان فلم يؤمّنهما عيسى العباسي فهربا! ورماهم أهل خراسان بالنشاب فأكثروا فيهم الجراح فتفرقوا عن محمّد ، واقتتلوا إلى الظهر ، فتراجع محمّد إلى دار مروان فصلّى فيها الظهر واغتسل وتحنّط للقتل. واستمر القتال إلى العصر ، فقال عيسى العباسي لحميد بن قحطبة : أراك قد أبطأت في أمر هذا الرجل! فولّ حربه حمزة بن مالك. فقال : أحين قتلت الرجال ووجدت ريح الفتح! ثمّ دخل على محمّد من زقاق أشجع ، فلمّا قابله محمّد قال له : ألم تبايعني؟! فما هذا؟! قال : هكذا نفعل بمن يفشي سرّه إلى الصبيان!
وكان محمّد يفري الناس بسيفه ما يقاربه أحد إلّاقتله ، ودهمته الخيل فوجد الموت فتحامل على جفن سيفه فكسره ، وضربه رجل بسيفه دون شحمة أُذنه اليمنى فبرك لركبتيه وجعل يذب عن نفسه ويقول : ويحكم! أنا ابن نبيّكم! مُحرج مظلوم! وصاح حميد بن قحطبة : لا تقتلوه! فكفّوا عنه حتّى جاءه حميد فحزّ رأسه (١).
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ١٨٠ ـ ١٨٣.