فكرته فقال له : يا محمّد ، لقد هلك من أولاد فاطمة مقدار مئة! وقد بقي سيّدهم وإمامهم! قال : من هو؟ قال : جعفر بن محمّد الصادق! قال : إنّه رجل أنحلته العبادة واشتغل بالله عن طلب الملك والخلافة!
قال : يا محمّد ؛ قد علمت أنك تقول بإمامته! ولكن الملك عقيم! وقد آليت على نفسي أن لا امسي عشيّتي هذه حتّى أفرغ منه! ثمّ دعا سيّافاً وقال له : إذا أنا أحضرت أبا عبد الله الصادق وشغلته بالحديث ، ثمّ وضعت قلنسوتي عن رأسي ، فهي العلامة بيني وبينك فاضرب عنقه!
ثمّ أحضر أبا عبد الله عليهالسلام في تلك الساعة وهو يحرّك شفتيه بالدعاء ، وإذا «بالقصر» يموج كالسفينة ؛ وبادر المنصور حافي القدمين مكشوف الرأس تصطكّ أسنانه وترتعد فرائصه ويصفرّ ويحمرّ ، فأخذ بعضد أبي عبد الله الصادق عليهالسلام وأجلسه على سريره وجثا بين يديه ، كالعبد بين يدي مولاه! وقال : ما الذي جاء بك في هذه الساعة يابن رسول الله؟! قال : يا أمير المؤمنين ، جئتك طاعة لله عزوجل ولرسول الله صلىاللهعليهوآله ولأمير المؤمنين أدام الله عزّه! قال : ما دعوتك والغلط من الرسول. ثمّ قال : سل حاجتك. قال : أسألك أن لا تدعوني لغير شغل! قال : لك ذلك وغير ذلك ؛ ثمّ قام أبو عبد الله وانصرف سريعاً.
قال الراوي : ونام المنصور وانتبه في نصف الليل وقضى صلاته ثمّ قال لي : لما حضر أبو عبد الله الصادق (ولعلّه عند دخوله) رأيت تنّيناً عظيماً قد حوى بذنَبه «قصري» وقد وضع شفته العليا في أعلاه والسفلى في أسفله ويقول : يا منصور! إن الله قد بعثني إليك وأمرني إن أنت أحدثت في أبي عبد الله الصادق حدثاً فأنا أبتلعك ومن في دارك جميعاً! فطاش عقلي وارتعدت فرائصي واصطكّت أسناني (١)!
__________________
(١) بحار الأنوار ٤٧ : ٢٠١ ، ٢٠٣ ، عن مهج الدعوات : ٢٥١.