فقال ابن سمعان : يا أمير المؤمنين ، أنت ـ والله ـ خير الرجال ، تحجّ بيت الله الحرام ، وتجاهد العدو ، وتؤمّن السبل ، ويأمن الضعيف بك أن يأكله القوي ، وبك قوام الدين ، فأنت خير الرجال!
فالتفت إلى ابن أبي ذؤيب وقال له : ناشدتك الله ، أي الرجال أنا عندك؟
قال : أنت ـ والله ـ عندي شرّ الرجال! استأثرت بمال الله ورسوله وسهم «ذوي القربى» واليتامى والمساكين! وأهلكت الضعيف ، وأتعبت القوي وأمسكت أموالهم ، فما حجتك غداً بين يدي الله؟!
فقال له المنصور : ويحك ما تقول؟! أتعقل؟! انظر ما أمامك! قال : نعم رأيت أسيافاً ، وإنّما هو الموت ولابدّ منه ، فعاجلُه خير من آجله! (فأشار المنصور واخرجا).
فالتفت إليّ وقال لي : إني لأجد عليك رائحة الحنوط! قلت : أجل ، لمّا نُمى إليك عني ما نُمى ـ من الفتوى ـ وجاءني رسولك بالليل ظننته القتل ، فاغتسلت وتطيّبت ولبست ثياب كفني!
فقال المنصور : سبحان الله! ما كنت لأثلم الإسلام وأسعى في نقضه! أو ما تراني أسعى في (رفع) أود الإسلام وإعزاز الدين؟! عائذاً بالله مما قلت يا أبا عبد الله ؛ انصرف راشداً مهدياً.
قال فبتّ ليلتي ، فلمّا أصبحنا أمر المنصور بثلاث صرر في كل صرّة خمسة آلاف دينار! ودعا برجل من شرطته وقال له : اقبض هذا المال وادفع لكل رجل منهم صرّة ، أما مالك بن أنس إن أخذها فبسبيله ، وإن ردّها فلا جناح عليه! وابن سمعان (القاضي) إن أخذها فهي عافيته ، وإن ردّها فأتني برأسه! وابن أبي ذؤيب إن ردّها فبسبيله وإن أخذها فأتني برأسه. فردّها ابن أبي ذؤيب فسلم! وأخذها ابن سمعان فسلم ، وأما أنا فكنت محتاجاً إليها فأخذتها ،