لا يُعلم ثمنه ولا يدرى ما قيمته ، قد نظّم بالدرّ الأبيض والياقوت الأحمر والزمرّد الأخضر! والشمع تحترق لديه ، وبين يديه ابن أبي ذؤيب وابن سمعان ، وهو ينظر في صحيفة بيده.
فلمّا صرت بين يديه سلمت فرفع رأسه ونظر إليّ وتبسّم بغضب ، ثمّ رمى بالصحيفة وأشار إلى موضع عن يمينه أقعد فيه ، فقعدت ، ورفعت رأسي فإذا أنا بواقف عليه درع وبيده سيف مشهور يلمع! والتفت عن يميني فإذا أنا بواقف بيده جرز (گرز / عمود) من حديد! ثمّ التفتّ عن يساري فإذا أنا بواقف عليه درع وبيده سيف مشهور ، وهم على استعداد.
ثمّ التفت هو إلينا وقال : يا معشر الفقهاء! أما بعد! فقد بلغ أمير المؤمنين عنكم ما أخشن صدره وضاق به ذرعه! وكنتم أحقّ الناس بالكفّ من ألسنتكم والأخذ بما يُشبهكم ، وأولى الناس بلزوم الطاعة والمناصحة في السرّ والعلانية لِمن استخلفه الله عليكم!
قال مالك فاستعذت بالله وتلوتُ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (١)).
فقال المنصور : على ذلكم ، فأي الرجال أنا عندكم؟ أمِن أئمة العدل؟ أم من أئمة الجور؟
فقلت : يا أمير المؤمنين أما أنا فمتوسل إليك بالله تعالى ومتشفّع إليك بمحمد (صلىاللهعليهوآله) وبقرابتك منه أن تعفيني عن الكلام في هذا! فقال لي : قد أعفاك أمير المؤمنين!
ثمّ التفت إلى القاضي ابن سمعان وقال له : أيها القاضي ، ناشدتك الله تعالى أي الرجال أنا عندك؟
__________________
(١) الحجرات : ٦.