فروى الطبري الإمامي عن خوش نام هذا عن أبيه الأصم عن شيخه شقيق البلخي قال : في سنة (١٤٩ ه) خرجت حاجاً فنزلت القادسية (من الكوفة إلى مكّة) وإذا بشابّ أسمر شديد السمرة ، حسن الوجه ، عليه ثوب صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان (ومعه ركوة ماء) جلس منفرداً من الناس. فقلت في نفسي : هذا الفتى من «الصوفية» يريد أن يكون كلاًّ على الناس ، فوالله لأمضينّ إليه ولُاوبخنّه! فدنوت منه فلمّا رآني قال : يا شقيق! اجتنبوا كثيراً من الظنّ! فأردت أن استحلّه فغاب عن عيني! ورحلنا إلى واقصة.
فهناك رأيته يصلّي ودموعه تتحادر وأعضاؤه تضطرب! فمضيت إليه لأعتذر منه ، فلمّا انصرف من صلاته التفت إليّ وقال : يا شقيق (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (١)) فتركته.
فلمّا نزلنا زبالة إذا به قائم على البئر وبيده ركوته يريد أن يستقي ماءً فسقطت ركوته في البئر! فرفع طرفه إلى السماء وقال شعراً :
أنت ربّي إذا ظمئت إلى الما |
|
ء ، وقوتي إذا أردت الطعاما! |
فوالله لقد رأيت البئر ارتفع ماؤها وعليه الركوة فأخذها وملأها وتوضأ منه وصلّى أربع ركعات ، ثمّ مال إلى كثب رمل هناك فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويشرب! فقلت له : يا هذا أطعمني من فضل ما أنعم الله عليك ورزقك.
فناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكّر لا ألذّ منه ولا أطيب ريحاً! فشبعت ورويت لأيام لا أشتهي فيها طعاماً ولا شراباً! ثمّ افتقدته.
حتّى دخلنا مكّة .. وإذا له غاشية وموالٍ وغلمان والناس يسلّمون عليه ويتبرّكون به! فسألت بعضهم عنه فقال لي : هو موسى بن جعفر بن محمّد بن
__________________
(١) سورة طه : ٨٢.