فكثر بذلك الزنادقة وانتشرت آراؤهم في الناس. فكان المهدي أوّل من أمر الجدليين من أهل البحث من المتكلمين بتصنيف الكتب على الملحدين من الجاحدين وغيرهم ، وأقاموا البراهين على المعاندين ، وأزالوا شبَه الملحدين وأوضحوا الحق للشاكّين. وأمعن في قتل الملحدين والمداهنين ، والذاهبين عن الدين لظهورهم في أيامه وإعلانهم باعتقاداتهم في خلافته (١).
ويظهر من خبر الكشي عن العياشي عن يونس بن عبد الرحمن عن هشام بن الحكم مولى كندة : أنّه على عهد المهدي كتب له ابن المفضّل أو ابن المقعد الفِرق صنفاً صنفاً ، ثمّ أمر فقرئ الكتاب على الناس ، فسمع يونس الكتاب يُقرأ على باب الذهب ببغداد ، ومرة اخرى ببلدة الوضّاح البربري مولى بني امية ، حتّى قال في كتابه : وفرقة منهم يقال لهم الزُرارية نسبة إلى زُرارة بن أعين ، وفرقة يقال لهم العَمّارية نسبة إلى عمّار الساباطي ، وفرقة يقال لهم اليعفورية نسبة إلى عبد الله بن يعفور ، وفرقة يقال لهم الجواليقية نسبة إلى هشام بن سالم الجواليقي ، وفرقة أصحاب سليمان الأقطع ، فجعل لرؤوس أصحاب الصادق عليهالسلام لكل واحد فرقة! فزعم هشام بن الحكم : أن أبا الحسن الكاظم عليهالسلام بعث إليه قال : كفّ هذه الأيام عن «الكلام» فإن الأمر شديد! ولذا لم يُذكر يومئذ هشام بن الحكم وأصحابه. قال هشام : فانتهيت إلى قوله وكففت عن الكلام حتّى مات المهدي وسكن الأمر (٢) وعليه فالمهدي ضلّل الناس بعطف أصحاب الصادق عليهالسلام على فِرق الزنادقة!
__________________
(١) المصدر ٤ : ٢٢٤.
(٢) اختيار معرفة الرجال : ٢٦٥ ، الحديث ٤٧٩ وهذه الفرق مختلفة تهويلاً وهي التي تسرّبت إلى كتب الفِرق وتكرر المضمون في ٢٦٩ ، الحديث ٤٨٥ وفي ٢٧٠ ، الحديث ٤٨٨ اتّهمه إسماعيل بن زياد الواسطي بأ نّه ما سكت وقال : مثلي لا يُنهى عن الكلام! وفي ٤٨٦ عن الرضا عليهالسلام : أنّه كان حسداً منهم له ، وهو عبد ناصح.