ثمّ إنّ الأُمور ـ أطال الله بقاءكِ ـ كلّها بيد الله عزوجل يمضيها ، ويقدّره بقدرته فيها والسلطان عليها ، توكّل بحفظ ما فيها وتمام باقيها ، فلا مقدّم لما أخّر منها ولا مؤخر لما قدَّم ، استأثر بالبقاء وخلق خلقه للفناء ، أسكنهم دنيا سريعاً زوالها قليلاً بقاؤها ، وجعل لهم مرجعاً إلى دار لا زوال لها ولا فناء.
لم يكن ـ أطال الله بقاك ـ أحد من قومكِ وخاصّتكِ وحرمكِ ، أشدّ لمصيبتكِ إعظاماً ، وبها حزناً ولكِ بالأجر عليها دعاءً ، وبالنعمة التي أحدث الله لأمير المؤمنين! أطال الله بقاءه دعاءً ، بتمامها ودوامها وبقائها ، ودفع المكروه فيها ، منّي والحمد لله ؛ لما جعلني الله عليه من معرفتي بفضلكِ والنعمة عليكِ ، وبشكري بلاءكِ وعظيم رجائي لكِ ، أمتع الله بكِ وأحسن جزاءكِ!
فإن رأيتِ ـ أطال الله بقاكِ ـ أن تكتبي إليّ بخبركِ في خاصة نفسكِ ، وحال جزيل هذه المصيبة وسلوتكِ عنها فعلتِ ، فإنّي بذلك مهتم ، وإلى ما يجيء من خبركِ وحالكِ فيه متطلّع ، أتمّ الله لك أفضل ما عوّدكِ من نعمته ، واصطنع عندكِ من كرامته. والسلام عليكِ ورحمة الله وبركاته.
وكتب يوم الخميس لسبع ليال خلون من شهر ربيع الآخر ، سنة سبعين ومئة (١).
نقل المجلسي هذا وقال : أقول : انظر إلى شدّة التقية على عهده عليهالسلام ، حتّى أحوجته إلى أن يكتب بمثل هذا الكتاب ، لموت كافر لا يؤمن بيوم الحساب! فهذا يفتح لك ـ من التقية ـ كلّ باب (٢).
__________________
(١) قرب الأسناد : ٢٣٥ ، الحديث ١١٨٧.
(٢) بحار الأنوار ٤٨ : ١٣٥.