رمل وطين ، يا مخلّص اللبن من بين فرث ودم ، يا مخلّص الولد من المشيمة والرحم ، يا مخلّص النار من بين الحديد والحجر ، يا مخلّص الروح من بين الأمعاء والأحشاء! يا سيدي نجّني من حبس هارون ونجّني من يده!
وكان هارون نائماً فرأى في منامه أنّ رجلاً أسود أتاه وبيده سيفه حتّى وقف على رأسه وقال له : يا هارون! أطلق موسى بن جعفر وإلّا ضربت علاوتك بهذا السيف! فقام هارون خائفاً ودعا حاجبه وقال له : اذهب إلى السجن فأَطلق موسى بن جعفر! فخرج الحاجب إلى صاحب السجن وقال له : إنّ الخليفة يدعو موسى بن جعفر فأطلق عنه. فصاح السجّان : يا موسى! إنّ الخليفة يدعوك! فقام موسى عليهالسلام فزعاً مذعوراً آيساً من حياته حزيناً مغموماً باكياً! وهو يقول : لا يدعوني في جوف هذا الليل إلّالشرّ يريده بي! وجاء إلى هارون ترتعد فرائصه حتّى سلّم عليه ، فردّ الرشيد عليهالسلام وقال له : ناشدتك بالله! هل دعوت في جوف هذه الليلة بدعوات؟ قال : نعم. قال : ما هنّ؟ فذكر له دعاءه فقال هارون : قد استجاب الله دعوتك ، ثمّ خلع عليه وسلّمه إلى حاجبه ليكون معه في الدار!
فكان يدخل على هارون في كل خميس ... إلى أن حبسه الثانية» (١).
ولعلّ المراد بالدار دار حاجبه الفضل بن الربيع بجوار دار الرشيد ، فكان فيه ما رواه الصدوق بعده : أنّ الإمام عليهالسلام كان كلّ يوم بعد ابيضاض الشمس يسجد (في صحن الدار) سجدة إلى وقت الزوال! وكان هارون يصعد سطح داره فيشرف عليه فيتراءى له ثوب مطروح في ذلك الموضع من صحن الدار! فسأل الفضل بن الربيع يوماً : يابن الربيع ؛ ما ذلك الثوب الذي أراه كلّ يوم في ذلك الموضع؟! قال :
يا أمير المؤمنين! إنّما هو موسى بن جعفر له كل يوم بعد طلوع الشمس سجدة إلى
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٤٠ ـ ٢٤٢ ، الحديث ٩٥.