أن تغنّي له بشعر خاصّ فقالت له : هذا شعر لا أعرف أحداً يغنّي به إلّاالمغنّي المكي الأحول! فوجّه يزيد إلى صاحب مكّة : إذا أتاك كتابي هذا فادفع إلى فلان بن أبي لهب ألف دينار لنفقة طريقه واحمله على دوابّ البريد (ليكون أسرع) ففعل ذلك! فغنّى له فوصله وكساه وردّه إلى مكّة مكّرماً!
وكان يُقعد حَبابة عن يمينه وسلّامة عن يساره ، فغنّته حَبابة ثمّ سلّامة فطرب طرباً شديداً حتّى قال : اريد أن أطير فرحاً! فقالت له حَبابة : يا مولاي! فعلى من تدع الامة وتدعنا (١)؟! وأهوى ليطير! فقالت له : يا أمير المؤمنين إنّ لنا فيك حاجة! فقال : والله لأطيرنّ! فقالت : فعلى من تدع الملك والامّة؟! قال لها : عليك والله! وأخذ يدها فقبّلها! فخرج خادمه وهو يقول : سخنت عينك! ما أسخفك!
وخرج بهما يوماً إلى ناحية الاردن يتنزّه ، فرمى حَبابة بحبّة عنب استقبلتها بفيها فدخلت حلقها فشرقت ومرضت بها وماتت ، فتركها ثلاثة أيام لا يدفنها حتّى نتِنت وهو يشمّها ويقبّلها وينظر إليها ويبكي! فلمّا دفنت بقي بعدها أُسبوعين ثمّ أوصى أن يدفن إليها ثمّ مات فدفن إلى جانبها سنة مئة وخمس (٢) في الخامس والعشرين من شعبان بإربد من بلاد البلقاء وله ثلاث وثلاثون سنة! وصلّى عليه أخوه هشام بن عبد الملك (٣) وقال اليعقوبي : كان ابن سبع وثلاثين سنة وصلّى عليه ابنه الوليد بن يزيد! ودفن بالبلقاء وخلف عشرة ذكور (٤) وقال المسعودي : كان ابن تسع وثلاثين سنة! وكان طويلاً جسيماً أبيض مدوّر الوجه ،
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ١٩٧ ـ ١٩٩.
(٢) مختصر تاريخ الدول لابن العبري : ١١٥ ـ ١١٦.
(٣) تاريخ خليفة : ٢١٣.
(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣١٤.