فلمّا أفضت الخلافة إليه قالت له امرأته سعدة (أو جدّته ـ امّ سعيدة العثمانية ـ المسعودي) : هل بقي شيء تتمنّاه من الدنيا؟ فقال : نعم ، حَبابة ؛ فأرسلت في طلبها إلى مصر فاشترتها وزيّنتها وأجلستها وراء الستر ودخلت هي عليه وأعادت عليه كلمتها فقال : قد أعلمتكِ! فرفعت الستر وقالت : هذه حَبابة! وقامت وتركتها عنده فحظيتا عنده (١).
وكان لسهيل بن عبد الرحمان بن عوف الزهري المدني بالمدينة جارية مغنّية يقال لها سلّامة. وكان عبد الرحمان بن عبد الله بن عمار يقال له القسّ لكثرة عبادته ، ومرّ بمنزل سهيل فسمع غناء سلّامة فهواها واجتمعا فعُرفت بسلّامة القُسّ (٢) وهواها يزيد فاشتراها منه بثلاثة آلاف دينار ، ثمّ أُعجب بها حتّى غلبت على أمره!
قال المسعودي : ثمّ غلبت عليه حَبابة ، فوهب سلّامة لُامّ سعيد!
ولما احتجب عن الناس وأقبل على الشرب واللهو ، وعمّ الناس الظلم والجور ، قال له أخوه مَسلمة :
إنّما مات عمر أمسِ ، وقد كان من عدله ما قد علمت ، فينبغي أن تُظهر للناس! العدل وترفض هذا اللهو ، فقد اقتدى بك عمّالك في سائر أفعالك وسيرتك!
قال : فارتدع عما كان عليه وأظهر الإقلاع والندم وأقام مدّة على ذلك ، فغلظ ذلك على حَبابة ، فبعثت إلى الشاعر الأحوص والمغنّي مَعبد واحتالت بهما لاستمالته فاستمالته وعاد إلى لهوه وقصفه ورفض ما كان عليه. وطلب منها
__________________
(١) مختصر تاريخ الدول لابن العبري : ١١٥.
(٢) مروج الذهب ٣ : ١٩٦ ، وتاريخ ابن الوردي ١ : ١٧٤.