ولمّا انصرف من عنده جعفر دعا الرشيد ياسر الخادم وأمره أن يمضي إلى جعفر فيأتيه برأسه! فمضى ياسر الخادم فوجد جعفر على لهو وغناء وشراب ، فأخبره فقال لعلّه يمازحني بهذا! قال : لا بل هو جاد! قال : فهو إذاً سكران! قال : لا بل كان شاعراً ما يقول : قال : فارجع إليه فإن كان على رأيه فارجع ونفّذ! قال : لا سبيل إلى ذلك! قال : فأصير معك فإن لم يقبل عذرك ولم يرض إلّابرأسي رجعتَ ففعلت! فقبل بهذا ومضيا إليه ودخل إليه ياسر فقال الرشيد : ائتني به وإلّا قتلتك قبله! فأخرج جعفر منديلاً من جيبه وعصّب عينيه به ومدّ عنقه فضربه ياسر وأخذ رأسه إلى الرشيد. فطلب منه الرشيد أن يأتيه بأعوانه فأتاه بهم فأمرهم أن يقتلوا ياسراً لقتله جعفراً! وقال : لا أقدر أن أنظر إلى قاتل جعفر (١) وكان ذلك في غرة شهر صفر من سنة (١٨٧ ه).
وأرسل برأس جعفر وجسده إلى بغداد وأمر أن يُشق جسده نصفين فيجعلان على الجسرين مع رأسه (٢) وقبض على أبيه يحيى وأخيه الفضل وبعث بهما إلى سجن الرَّقة حتّى يموتا. وكتب إلى عمّاله بالقبض على من يعرف منهم وقبض أموالهم (٣) وجميع أولادهم ومواليهم وغلمانهم ، وصادر أموالهم في معسكرهم من مضارب وخيام وسلاح وغيره ، فما دار عليهم أُسبوع حتّى قتل منهم وحواشيهم ألف رجل! وشتّت شملهم في البلاد لا يرجعون إلى أوطانهم ولا يقدرون على كسرة خبز (٤) إلّابالصدقات!
__________________
(١) مروج الذهب ٣ : ٣٧٦ ـ ٣٨٠.
(٢) تاريخ ابن الوردي ١ : ١٩٨ ـ ١٩٩.
(٣) تاريخ مختصر الدول : ١٢٩.
(٤) إعلام الناس بما وقع للبرامكة من بني العباس : ١٦٤ ـ ١٧٤.