عن ولاية العهد من بعده وأن يستبدل ذلك بولاية عهد ابنه موسى. فبدأ الأمين بعزل أخيه القاسم المؤتمن عن العهد بعد المأمون وعمّا كان ولّاه الرشيد. فلمّا بلغ ذلك إلى المأمون قطع مراسلاته إلى الأمين. وأخذ الأمين يستميل القوّاد بالعطاء وبايع بولاية العهد لابنه موسى ولقّبه بالناطق بالحق ، هذا وهو طفل رضيع! ثمّ أرسل إلى المأمون رسولاً يذكر له أنّه قد سمّى ابنه الناطق بالحق ويطلب منه أن يقدم ذكر موسى على ذكر المأمون. فردّ المأمون ذلك وأباه ودعا الرسول إلى نفسه فبايعه بالخلافة سرّاً. فطلب منه أن يناصحه في العراق ويكتب بالأخبار إليه. فلمّا عاد الرسول وأخبر الأمين بامتناع المأمون عزم على إسقاط اسمه من ولاية العهد (١).
قال المسعودي : فأخذ الأمين يعمل الاحتيال لخلع المأمون ، فكتب إليه يأمره بتسليم بعض عمله إلى من عيّن فامتنع عليه ، فكتب إليه يأمره بالمصير إليه لمعاونته على تدبير الملك أي ليكون معاون الخليفة ، فذكر أُموراً يعتلّ بها ، فأرسل إليه رسولاً يسأله تقديم ابنه موسى على المأمون في ولاية العهد ويذكر له ترغيباً وترهيباً ، فأبى عليه. والفضل بن سهل كان يقوّي عزمه على المقاومة (٢).
ولما همّ بخلعه شاور عبد الملك بن صالح العباسي فأشار عليه يقول : لا يجتمع فحلان في أجمة ، ولكنّه شاور من قوّاده عبد الله بن حازم فحذّره ، فجمع قوّاده لذلك منهم هرثمة بن حازم فحذّره كذلك ودخل علي بن عيسى بن ماهان فتبسّم الأمين وقال : لكن شيخ هذه الدعوة وباب هذه الدولة! لا يخالف إمامه ولا يوهن طاعته ، ورفعه إليه ، فكان علي بن عيسى أول من أجاب من القواد لخلع المأمون (٣).
__________________
(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٣٥٥ ـ ٣٥٦.
(٢) التنبيه والإشراف : ٣٠٠.
(٣) مروج الذهب ٣ : ٣٨٩.