ووقف أبو السرايا على القنطرة فخرج إليه رجل من أهل بغداد وجعل يشتمه بالزنا ، فلمّا همّ أن ينصرف حمل عليه أبو السرايا حتّى قتله ثمّ حمل على عسكرهم حتّى خرج من خلفهم ثمّ رجع ودعا بغلام من غلمانه ونفر من أصحابه وأمره أن يمضي بهم حتّى يصير من وراء جنود بغداد كميناً ، فمضى الغلام مع من معه قاصداً لما أمره به. ووقف أبو السرايا على القنطرة طويلاً حتّى ظنّ أن الكمين الذي بعثه قد انتهى إلى حيث أمره. ثمّ ضرب فرسه وأومأ بيده نحو الكمين الذي بعثه وصاح بأهل الكوفة! احملوا ، وحمل وتبعوه ، والتفت عسكر زهير نحو إشارة أبي السرايا! وكان إلى جانبه غلامه سيّار فخالط هو وغلامه العسكر وتبعه أهل الكوفة ، ثمّ صاح بغلامه أن يحمل على صاحب العلم فحمل عليه حتّى قتله وسقط علمهم وانهزموا! وتبعهم أبو السرايا يناديهم : من نزل عن فرسه فهو آمن! فأخذوا يترجّلون وأصحاب أبي السرايا يركبون ، وتبعوهم حتّى جاوزوا قرية «شاهي» من قرى الكوفة. وكان أبو السرايا يتابع ابن المسيّب فالتفت إليه هنا وناداه : ويحك! أتريد هزيمة أكثر من هذه؟! إلى أين تتبعني؟! فتركه أبو السرايا وعاد.
وصار أهل الكوفة إلى عسكر زهير بن المسيّب وقد أُقيمت مطابخه وأُعدّت ، فغنموا من عسكره غنيمة لم يغنموا مثلها ، وأكلوا ذلك الطعام وقد أصابهم جهد وجوع شديد. وعاد أبو السرايا ومن معه إلى الكوفة وقد لبسوا السلاح ، وركبوا الخيول وفي صدورها رؤوس كثيرة وعلى الرماح ، ومعهم خلق كثير من الأسرى (١).
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ٣٤٩ ـ ٣٥٢ عن نصر بن مزاحم وغيره.