وعليه ، فلو كان هشام القم حجراً من شاعره الفرزدق الأسدي البصري يوم لقائه بالإمام السجاد عليهالسلام على عهد أبيه عبد الملك ، فاليوم القم حجراً من الإمام الباقر عليهالسلام وهو خليفة ، وبلا تقية منه في الأذان والإقامة و «حيّ على خير العمل» فما رأى الإمام تلك الأيام أيام تقية ولا كان أمر بها يومئذ.
بل أُرسل الحلبي عن أبي حمزة الثمالي قال : أقبل الناس ينثالون عليه وعند هِشام عِكرمة غلام ابن عباس فقال : مَن هذا؟ كأن عليه سيماء أهل العلم! لُاجربنّه! وقام إليه فلمّا مثل بين يديه قال له : يابن رسول الله ، لقد جلست مجالس كثيرة بين يدي ابن عباس وغيره فما أدركني ما أدركني الآن! فقال له أبو جعفر عليهالسلام : ويلك يا عُبيد أهل الشام! إنّك بين يدي (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ). ثمّ قام على صَعدة من الأرض بين الباب والحجر أو الملتزم وقد حزَّم وسطه على المِئزر بعمامة خز! والوقت ضحى والشمس على الرؤوس فصعَّد كفه وطرفه نحو السماء ودعا ، وانثال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات ويستفتحون به أبواب المشكلات ، فلم يَرُح حتّى أفتاهم في ألف مسألة (١).
ولئن كان الفرزدق الشاعر الأسدي البصري قرأ شعره في مديح الإمام السجّاد عليهالسلام معلناً ، فهنا الكميت بن زيد الأسدي البصري أيضاً ابن اخت الفرزدق قرأ شعره على الباقر عليهالسلام غير معلن ، فتوجّه الباقر عليهالسلام إلى جهة الكعبة ودعا له ثلاثاً : اللهم ارحم الكميت واغفر له. ثمّ جمع له من أهل بيته مئة ألف درهم وقال له : يا كميت ، هذه مئة ألف قد جمعتها لك من أهل بيتي.
فقال الكميت : لا والله لا يعلم أحد أني أخذت منها ، حتّى يكون الله عزوجل هو الذي يكافيني؟ ثمّ قال له : ولكن تكرمني بقميص من قُمصك. فأعطاه (٢).
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب ٤ : ١٩٨ ، والآية ٣٦ من النور.
(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٢١٤.