ولئن كان هشام يتقوّل في الكلام على الباقر عليهالسلام بأ نّه نبيّ أهل العراق! فإنّ أبا حنيفة النعمان كان قد حجّ ورأى أبا جعفر عليهالسلام قاعداً في المسجد (الحرام) فاستأذنه : أجلس؟ فقال له أبو جعفر : أنت رجل مشهور (كذا) ولا أُحبّ أن تجلس إليّ! ولكنّه لم يلتفت إلى نهي أبي جعفر وجلس وسأله : أنت الإمام؟ فاتّقاه الإمام (هنا) وقال له : لا! قال : فإنّ قوماً بالكوفة يزعمون أنّك إمام! قال : فما أصنع؟ قال : تكتب إليهم تخبرهم! قال : لا يطيعون ؛ إنّما نستدلّ على من غاب بمن حضرنا منهم ، وقد أمرتك أن لا تجلس فلم تطعني! فكذلك لو كتبت إليهم ما أطاعوني! فلم يقدر أبو حنيفة الكلام (١)!
وكأنّه بدأ الباقر عليهالسلام يعلّم طالبي علومه التورية في كلامهم لدفع تلك المضايقات!
فقد أرسل الحلبي عن كَهمس عن جابر بن يزيد الجعفي عن بداية رحلته من الكوفة إلى الباقر عليهالسلام بالمدينة لطلب علومه قال : لمّا دخلت عليه سألني : من أين أنت؟ فقلت له : من أهل الكوفة. قال : ممّن؟ قلت : من جُعُف. قال : وما أقدمك إلى هاهنا؟ قلت : طلب العلم. قال : ممّن؟ قلت له : منك! قال : فإذا سألك أحد : من أين أنت؟ فقل : من أهل المدينة! قلت : أيحلّ لي أن أكذب! قال : هذا ليس كذباً! من كان في مدينة فهو من أهلها حتّى يخرج (٢) فهذا أوّل تعليم بحقّ التورية لدفع الضرر غير المحتمل ، المحتمل من قبل الحاكم الظالم ، فلعلّه شعر به من قبل هشام ولا سيّما بعد ما رأى.
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٢١٦ عن الطبري الإمامي.
(٢) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٢١٧.